اسم الكتاب: “دليل تنمية القدرة على تدبير الاختلاف التأطير النظري والتطبيقات العملية”
المؤلف: الدكتور خالد الصمدي – القراءة: الدكتور: عبد الصمد المساتي
1- تقديم الكتاب:
إذا كان موضوع الاختلاف وكيفية تدبيره قد كتب فيه عدد كبير من الفقهاء والمفكرين من القدماء والمعاصرين، فإنه قد يتبادر إلى الأذهان سؤال مشروع، وهو الحاجة إلى مؤلَف جديد في الموضوع، وهو ما استحضره المؤلِف ليجيب عنه في كلمات، بقوله: “لطالما كتبنا عن الاختلاف وتحدثنا عن أهمية حسن تدبيره، ولكن الفجوات تزداد، وعوامل الاختلاف غير الطبيعي تتجذر وتتسع في عالم يزداد احتكاكا وتقاربا، لأننا بكل بساطة لم نعلم أجيالنا ممارسة قيم ومهارات تدبير الاختلاف، وتلك مهمة التربية والتدريب”.
وعن جدوى الكتاب أتحدث قبل مناقشة عدد من القضايا الواردة فيه، فالكتاب الذي بين أيدينا قد قدمه مؤلفه بمنهجية مميزة، حيث أخذ من الكتابات التي تحدثت عن الاختلاف نماذج وأمثلة تكفي المقتصد، وتحفز المجتهد، ويعرض لها باختصار في السياق النظري، ليركز على زوايا جديدة تتعلق بطبيعة المفهوم وعلاقته بمنظومة القيم التي يدور في فلكها، والفوائد العلمية والتربوية المكتسبة من ترسيخ هذه القيم الناتجة عن حسن تدبير الاختلاف في حياتنا المعاصرة، ثم بيان الطرق العملية للتربية على قيم ومهارات تدبير الاتلاف من خلال تصميم وتنفيذ دورات تدريبية.
والكتاب الذي بين أيدينا، والذي صدر عن مؤسسة دار الحديث الحسنية بالرباط سنة 2015، جاء موزعا على مقدمة استهلها المؤلف بالحديث عن الجدوى من الدليل، والفئة المستهدفة به، ومنهجية تأليفه وكيفية الاستفادة منه، وتوصيف محاوره الكبرى التي يتضمنها، ثم شقين كبيرين، أحدهما نظري، وآخر تطبيقي.
ركز المؤلف في الشق النظري على ثلاث قضايا مركزية انسجاما مع طابع الدليل وهي الجوانب المعرفية والقيمية والمهارية، بسطها في خمسة محاور:
— في مفهوم الاختلاف، والفرق بين الاختلاف الجبلي الفطري الطبيعي، والاختلاف غير الطبيعي، مع بيان بعض مظاهر هذا الأخير.
— قيم تدبير الاختلاف، وتفصل في القيم الداعمة للاختلاف الطبيعي، ونواقض الاختلاف الطبيعي، (التفرقة – الظلم والعدوان – العصبية والعرقية – الكراهية – الانغلاق على الذات..).
— مهارات تدبير الاختلاف، وقسمها إلى مهارات في المخاطِب (كالاستيعاب -القدوة والالتزام -القدرة على التمييز بين المقدس والتاريخ) ومهارات في صياغة محتوى الخطاب (كاستحضار حال المخاطب -تحرير مجال الاختلاف -مجال المعتقدات وما يتعلق بها من أحكام -مجال الإرث التاريخي الاجتهادي – البحث عن المشترك وحسن استثماره)، ومهارات في أسلوب تبليغ الخطاب (التواصل).
— المنهجية التربوية لبناء القيم والمؤشرات المرتبطة بها: الدوائر الأربع للقيمة – علاقة القيم بالمهارات السلوكية – فائدة بناء القيم والمؤشرات المرتبطة بها (السلوكات الإيجابية – الانفعال المتوازن – المعارف الصحيحة) – معرفة مراحل تطور القيمة لدى المتعلم (سلم المراقي الستة).
— معرفة مراحل التدريب والأنشطة التدريبية المناسبة: التدريب على: اكتشاف واكتساب المفهوم، اكتساب منهجية تدبير الاختلاف، تجاوز صعوبات تدبير الاختلاف – تقويم القدرة على تدبير الاختلاف – الإسهام في التوعية بأهمية حسن تدبير الاختلاف.
وهذه الأخيرة هي التي صاغها المؤلف على شكل أهداف مرجوة بعد قراءة المادة النظرية وإنجاز التطبيقات العملية المرتبطة بها.
أما الشق التطبيقي فجاء عبارة عن بطاقات تأطيرية لدورات تدريبية في ستة محاور، يشكل كل واحد منها دورة تدريبية مستقلة في سياق متكامل مع المحاور الأخرى.
2- مقاربة مقاصدية لموضوع الاختلاف:
وسأركز في مشاركتي هذه على جملة قضايا نناقشها على ضوء ما ورد في الكتاب:
— الاختلاف سنة كونية ومقصد شرعي: حيث خلق الله تعالى الناس مختلفين في الألوان والألسن والقدرات العقلية والجسمية والبلدان والأجناس والأرزاق، قال تعالى: “ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ” (هود: 118-119)، وقوله سبحانه “ومن وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ” (الروم: 22).
— من السنن والمقاصد الشرعية كذلك تمييز الإنسان بالعقل الذي هو أساس التكليف والمسؤولية، وجعل من مقتضيات العقل صلاحية الاختيار، وربط ذلك بالمحاسبة، ولا يتأتى ذلك إلا بتعدد الخيارات مما يؤدي بالضرورة إلى الاختلاف “إما شاكرا وإما كفورا” “فمن شاء فليومن…”.
— غاية خلق الإنسان وتكليفه إصلاح الأرض وإعمارها بالصلاح والخير والنفع، وقد جعل الله الاختلاف عامل إغناء وثراء للطاقات الإنسانية المتنوعة والمتكاملة والموزعة على أطراف الأرض والتي على الإنسان أن يسعى إلى تحقيق التكامل بينها للقيام بمهمة الاستخلاف والإعمار.
— يتخذ البعض من الاختلاف الفطري والفكري ذريعة لمجموعة من السلوكات غير المقبولة أخلاقيا واجتماعيا، حيث يؤدي اختلاف اللون والخلقة الى العصبية والعنصرية، ويؤدي اختلاف الرأي في الدين إلى التكفير، ويؤدي الاختلاف في المواقف التعصب والتخوين والتطاحن…
— من المقاصد الأساسية لبعثة الأنبياء والرسل بيان كيفية تدبير الاختلاف الطبيعي والتحذير من الاختلاف غير الطبيعي، فصلا عن الهداية، قال تعالى: “وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون” (هود: 64).
— من الوسائل الأساسية لتدبير الاختلاف الاعتراف بالآخر وبحقه وحريته في الاختلاف، سواء في الرأي أو حتى الدين، وقد أقر القرآن الكريم بوجوب احترام المخالف في الدين، وحفظ العهد معه، وكذلك سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وتلمسها الصحابة فكان ذلك منهجا عندهم “العهدة العمرية”.
— من قواعد الإسلام لتدبير الاختلاف: الدعوة إلى التعارف والتعايش والتساكن والحوار والبحث عن المشترك “قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم”، والمجادلة بالتي هي أحسن “ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن”، والنهي عن استفزاز أصحاب المعتقدات المخالفة “ولا تسبوا…”، والعدل وإنصاف المخالف “ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى”.
— نواقض تدبير الاختلاف كالتفرقة والظلم والعصبية والكراهية والانغلاق والإقصاء، وعدم الاعتراف بالآخر والتفاعل معه، واعتقاد امتلاك الحق المطلق من أشد مظاهر الخلل الموجودة في المجتمعات التي تؤدي الى العدوان، وتهدد الأمن الاجتماعي وتهز الاستقرار وتؤدي إلى الصراع والتناحر والخراب.
— من وسائل تدبير الاختلاف والمعلومة في الدين بالضرورة وجوب مراعاة أحوال المكلفين /المخاطبين ومستوياتهم المختلفة في فهم الخطاب والالتزام بمقتضياته، ولذلك كانت الوصايا من النبي صلى الله عليه وسلم تختلف (لا تغضب…) وكانت الفتاوى تختلف حتى في النازلة الواحدة (القبلة/ القاتل).
— من قواعد الإسلام في التشريع أنه زاوج بين التشريعات القطعية التي تتعلق بأصول الشريعة، وفسح المجال للظنيات المختلف فيها، وجعل الإنسان نفسه مشرعا وموقعا عن الله تعالى فيما يختلف باختلاف الأزمنة أو الأمكنة، ومن هنا وجب التمييز بين المقدس والاجتهاد البشري في فهم المقدس.
3- احتياجات أساسية لتدبير الاختلاف من خلال الدليل:
— حاجتنا إلى تحديد مفهوم الاختلاف، لأن الاعتراف بوجوده لا يعني الاتفاق على مفهومه، لأن الاختلاف في الرأي لا يكون على مستوى الوعي بوجود الأشياء أو أهميتها، بل يكون في تحديد المراد بها وحدودها.
— حاجتنا إلى فكر يستوعب الاختلاف: فكر يستفيد من الطاقات والقدرات والأفكار والآراء والتوجهات والاختيارات لبناء الحضارة المشتركة التي تجمع في داخلها تنوعا واختلافا.
— حاجتنا إلى مهارات تدبير الاختلاف، كالإنصات والاستيعاب والتأمل، والتمييز بين المقدس والتاريخ، وتحرير مجال الاختلاف ومجال المعتقدات وما يتعلق بها من أحكام، ومجال الإرث التاريخي الاجتهادي، والبحث عن المشترك وحسن استثماره.
— حاجتنا إلى التربية على القيم وترسيخ ثقافة الاختلاف والتعايش: قيم التسامح والتراحم، وقيم الخير والنفع (خير الناس أنفعهم للناس)، وقيم التشارك والتعاون (من سعى في حاجة أخيه…)، وقيم التساكن والحوار… ونفي ما يناقضها من قيم الأنانية والفردانية والصراع والتعصب والانغلاق.
— حاجتنا إلى الجمع بين التأطير النظري والتطبيقات العملية، فتدبير الاختلاف إضافة إلى كونه معارف وتصورات تبنى في ذهن المتلقي، فهو أيضا مهارات تمارس بالتدريب، وقيم موجهة تكتسب بالتربية، وبالتالي ضرورة دعم الخطاب النظري بتداريب عملية ميدانية على مهارات وآليات تدبير الاختلاف.
— حاجتنا إلى التوافق حول الحقوق الإنسانية المشتركة: وهي الكرامة (ولقد كرمنا بني آدم) والعدل بين مطالب الجسد ومطالب الروح، الفرد والجماعة، الأجيال الحاضرة والأجيال المقبلة، والحرية (لنبلوكم أيكم أحسن عملا) (فمن شاء فليومن ومن شاء فليكفر). بمعنى التكليف والمسؤولية.
— حاجتنا إلى دعامات أساسية للتربية على تدبير الاختلاف:
– المدرسة والجامعة ومختلف الفضاءات التربوية والتعليمية؛
– مؤسسات ووسائل الإعلام، خصوصا في ظل الطفرة النوعية التي يعرفها، والنتائج التي يحققها.
– المؤسسات الثقافية والفكرية والجمعية والحزبية والحركية وهي المحضن للطاقات…
1 التعليق
صهيب طلال إنطكلي
23/01/2024, 9:40 صجزاكم الله خيرًا، قراءة مفيدة في كتاب مميز، بارك الله القارئ والمؤلف
الرد