د. عبد الله عماري: باحث في الفقه وأصوله ومقاصد الشريعة
مقدمة:
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد ﷺ، وعلى آله وصحبه، ومن اقتفى أثره إلى يوم الدين. وبعد؛
فإن أحكام الشريعة الإسلامية جاءت لتحقيق مصالح الخلق في المعاش والمعاد، قال تعالى:﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾[الأنبياء، 106]، ومن مقتضيات هذه الرحمة تحقيق مصالحهم العاجلة والآجلة، يقول ابن القيم: “… فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحِكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها، ومصالح كلها وحكمة كلها”[1]. ولما كانت الشريعة بهذه المميزات؛ من العدل والرحمة والجمع بين مصالح الفرد والجماعة الدنيوية والأخروية، فقد أكسبها ذلك صلاحيتها لكل زمان ومكان، لما انطوت عليه من أصول وقواعد كلية وجزئية ومقاصد عامة وخاصة، جعلتها قادرة على استيعاب الحوادث والمسائل التي تطرأ في مختلف الأزمنة والأمكنة.
ومن تم، فإن استيعاب الشريعة لأحوال المكلفين، وإبراز صلاحيتها لكل زمان ومكان، يطلُب من الفقهاء والمجتهدين، فهم نصوصها، وإدراك مقاصدها، بغية استنباط الأحكام الشرعية وتنزيلها على واقع المكلفين.
وهذا ما دفع العديد من الباحثين في الدرسين الأصولي والمقاصدي، إلى الاهتمام الكبير بمقاصد الشريعة، ومحاولتهم إعمالها في الاجتهاد، فخاض غمار التأليف فيها عدد كبير من الباحثين، حاولوا إبراز أهميتها، ودعوا إلى تفعيلها في الحياة العامة والخاصة.
وفي هذا السياق جاء هذا البحث ليحاول الإجابة عن إشكال “إعمال المقاصد في الاجتهاد من لدن الباحثين في الفقه وأصوله ومقاصد الشريعة” وهم بصدد النظر في النصوص الشرعية بغية استنباط الأحكام الشرعية منها، ومحاولة تنزيلها على واقع الناس المعيش.
وقد يسر الله تأسيس هذا العمل بعد المقدمة وقبل الخاتمة على ثلاثة مباحث؛ خصصت المبحث الأول للحديث عن مفهوم وأهمية إعمال المقاصد في الاجتهاد، بينما تناولت في المبحث الثاني الكلام عن فوائد إعمال المقاصد في الاجتهاد، وفصلت القول في المبحث الثالث عن ضوابط إعمال المقاصد في الاجتهاد، وختمت البحث بمبحث رابع أفردته لبيان مجالات إعمال المقاصد في الاجتهاد.
المبحث الأول: إعمال المقاصد في الاجتهاد: المفهوم والأهمية.
المطلب الأول: تعريف إعمال المقاصد.
إعمال المقاصد مركب إضافي، يحتاج إلى تعريف المضاف، وهو الإعمال، وإلى تعريف المضاف إليه وهو المقاصد، ثم إلى تعريف الإضافة.
الفرع الأول: الإعمال في اللغة والاصطلاح.
الفقرة الأولى: الإعمال في اللغة.
استعمل أهل العربية لفظ “الإعمال” للدلالة على معان عدة، منها؛
المعنى الأول: التمكين؛ نحو أدخلته الدار، أي مكنته من الدخول، ونحو أسلمته المال، إذا مكنته منه[2].
المعنى الثاني؛ أن يكون بمعنى استفعل، نحو أعرضت قوتي، إذا استعرضتها، ونحو أخرجت الكنز؛ أي استخرجته[3].
المعنى الثالث؛ دلالته على المطاوعة للوزن “فَعَّلَ”؛ نحو كرّمته فأكرم، وأعطيته فأعطى[4].
و”الإعمال” مصدر للفعل المتعدي “أَعْمَلَ”، يقال أعمل يُعمل إعمالا.
قال ابن مالك عن (فَعَّلَ _ أَفْعَلَ):
وغيرُ ذي ثلاثة مقــــــــــــــــــيس *** مصدره كَقُدَّس التقديــــــــــــــــس
وزكِّه تزكية وأجمـــــــــــــــــــــــــــــــــــلا ***إجمال من تَجَمُّلَا تَجَمُّــــــــــــــــــــــــــــلًا[5].
وخلاصة المعنى اللغوي، فإن “الإعمال” في العربية مصدر للفعل المتعدي “أعمل”، ويدور معناه حول معان عدة، أشهرها؛ التمكين، والمطاوعة، والقدرة على التوظيف.
الفقرة الثانية: الإعمال في الاصطلاح.
ذهب الدكتور عبد الكريم صغيري إلى أنه لم يعثر على تعريف لمصطلح “الإعمال” في الاصطلاح وهو بصدد تعريف هذا المصطلح، يقول: “فإني لم أعثر لمصطلح الإعمال على تعريف”[6]، ثم أردف قوله بكلام يفيد أن الأصوليين والفقهاء القدامى، قد ضَمَّنوا هذا المصطلح مصنفاتهم، يقول: “إلا أن كثرة تداوله عند الأصوليين والفقهاء في كتاباتهم وقواعدهم توحي بأصالته، وتكشف عن ماهيته”[7]، مثل قولهم: “رعي الخلاف عبارة عن إعمال دليل، في لازم مدلوله الذي أعمل في نقيضه دليل آخر”[8]، وقولهم: “وأنه لا يصح إعمال أحد دليلين متعارضين”[9]، وقولهم كذلك: “وأما أبو حنيفة فإن ثبت عنه جواز إعمال الحيل”[10]، وقولهم أيضا: “فإعماله من حيث هو أقوى عند الناظر أو في نفس الأمر كإعمال الدليل غير المعارض فلا عفو فيه”[11].
من خلال هذه الاستعمالات المتعددة، تتضح لنا القيمة التفسيرية لهذا المصطلح، وتتجلى أهميته في الدراسات الأصولية؛ ذلك أنه يُمثّل الشق العملي والتطبيقي للأدلة، فهو الآلة التي بها تُنزَّل الأدلة من سماء التنظير إلى أرض العمليات، وإلى مجال التطبيق، وهذا لعمري هو المقصود من وضع الأدلة ابتداء. ومن هنا يمكن القول: إن مصطلح الإعمال هو القدرة على التوظيف، والتمكن من التنزيل والاستخدام؛ فالقياس مثلا دليل من الأدلة، لكن توظيفه واستخدامه في استثمار الأحكام يسمى إعمالا[12].
تأسيسا على ما سبق، يمكن القول إن “الإعمال” في الاصطلاح هو: “القدرة على التوظيف، وحسن التنزيل”.
الفرع الثاني: المقاصد في اللغة والاصطلاح.
الفقرة الأولى: المقاصد في اللغة.
استعمل أهل العربية لفظ “المقاصد” للدلالة على معان عدة، منها:
المعنى الأول: الاعتزام والاعتماد، والأَمُّ وطلب الشيء وإتيانه، ومنه قصدت قصده، أي نحوت نحوه.
قال ابن جني: أصل (ق، ص، د) ومواقعها في كلام العرب: الاعتزام والنهود والنهوض نحو الشيء؛ على اعتدال كان ذلك أو جور، هذا أصله في الحقيقة، وإن كان قصد يُخصُّ في بعض المواقع بقصد الاستقامة دون الميل؛ ألا ترى أنك تقصد الجور تارة، كما تقصد العدل أخرى؟ فالاعتزام والتوجه شامل لهما جميعا[13].
وهذا المعنى متداول بين الفقهاء والأصوليين؛ ومنه قول الشاطبي: “تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق”[14].
المعنى الثاني: استقامة الطريق؛ يقول ابن منظور: “القصد استقامة الطريق؛ قصد يقصد قصدا، فهو قاصد، وقوله تعالى:﴿ وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ﴾[النحل، الآية 9]، أي تبيان الطريق المستقيم، والدعاء إليه بالحجج والبراهين الواضحة، ومنها جائر: أي ومنها طريق غير قاصد، وطريق قاصد؛ سهل مستقيم، وسفر قاصد، سهل قريب، وفي التنزيل العزيز:﴿ لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ﴾[التوبة، 42]، قال ابن عرفة: سفرا قاصدا، أي غير شاق، والقصد العدل”[15].
المعنى الثالث: العدل والتوسط بين طرفين، ما بين الإفراط والتفريط، وبين الإسراف والتقتير، قال في القاموس المحيط: “القصد استقامة الطريق والاعتماد والأَمُّ، قَصَدَهُ وله وإليه يقصده، وضد الإفراط كالاقتصاد (…) ورجل ليس بالجسيم لا بالضئيل كالمقتصد”[16].
المعنى الرابع: الكسر في أي وجه كان.
وخلاصة المعنى اللغوي، فإن “المقاصد” في العربية تطلق على؛ التوجه، والعزم، والنهود والعدل،
الفقرة الثانية: المقاصد في الاصطلاح.
ليس قصدي في هذا الموطن أن أتتبَّع التطور التاريخي لهذا المصطلح، ولا أن أستقصي تعاريف العلماء له قديما وحديثا، لأن ذلك مما سبقني إليه كثير من الباحثين في الحقلين الأصولي والمقاصدي[17]. ولكن غرضي، أن أنبِّه إلى أن هذا المصطلح بلغ من النضج مستوى أصبحت معه مفاهيمه في غاية الدقة والوضوح[18].
ومن العلماء الذين أفردوا هذا المصطلح بالتعريف نجد؛ العلامة ابن عاشور، والأستاذ علال الفاسي، والدكتور أحمد الريسوني.
فابن عاشور عرف المقاصد العامة للشريعة، بأنها: “… المعاني والحكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها، بحيث لا تختص ملاحظتها بالكون في نوع خاص من أحكام الشريعة. فيدخل في هذا: أوصاف الشريعة وغايتها العامة، والمعاني التي لا يخلو التشريع من ملاحظتها. ويدخل فيها أيضا معان من الحكم ليست ملحوظة في سائر أنواع الأحكام، ولكنها ملحوظة في أنواع كثيرة منها”[19].
وأما علال الفاسي، فقد عرف مقاصد الشريعة بأنها: “الغاية منها، والأسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامها”[20].
فبعد أن عرف علال الفاسي المقاصد بشقيها _العامة والخاصة_ في التعريف السابق، _لم يكتف بهذا التعريف_، فأورد تعريفا آخر، لكنه في هذه المرة قصره على المقاصد العامة، يقول: “المقصد العام للشريعة الإسلامية هو عمارة الأرض، وحفظ نظام التعايش فيها واستمرار صلاحها بصلاح المستخلفين فيها، وقيامهم بما كلّفوا به من عدل واستقامة، ومن صلاح في العقل، وفي العمل، وإصلاح في الأرض، واستنباط لخيراتها وتدبير لمنافع الجميع”[21].
وبالرجوع إلى كلّ من تعريف ابن عاشور، وتعريف علال الفاسي الثاني، يمكن القول، إن ما ذهب إليه علال الفاسي في تعريفه الثاني، قد استوحاه من تعريف ابن عاشور.
وأما الدكتور أحمد الريسونسي فقد عرف مقاصد الشريعة بأنها: “الغايات التي وضعت الشريعة لأجل تحقيقها لمصلحة العباد”[22].
فهذا التعريف الذي ساقه الريسوني للمقاصد، بناه على التعريفات والتوضيحات التي أشار إليها من تحدثوا قبله في موضوع المقاصد، وبخاصة ما جاء على لسان كل من ابن عاشور وعلال الفاسي، وفي هذا الصدد يقول: “وبناء على هذه التعريفات والتوضيحات لمقاصد الشريعة، لكل من ابن عاشور وعلال الفاسي، وبناء على مختلف الاستعمالات والبيانات الواردة عند العلماء الذين تحدّثوا في موضوع المقاصد، يمكن القول: إن مقاصد الشريعة هي الغايات التي وضعت الشريعة لأجل تحقيقها لمصلحة العباد”[23].
تـأسيسا على ما سبق، يمكن القول: إن مقاصد الشريعة هي:” المعاني والحِكم والغايات التي انطوت عليها الشريعة عند كل حكم من أحكامها”.
الفرع الثالث: معنى إعمال المقاصد.
سبقت الإشارة إلى أن إعمال المقاصد مركب إضافي، وأن تعريفه يقتضي تعريف جزأيه. فبعد أن عرفنا “الإعمال” و”المقاصد” في اللغة والاصطلاح، وخلصنا إلى أن “الإعمال” هو؛ “القدرة على التوظيف، وحسن التنزيل”، وأن “المقاصد “؛ هي “المعاني والحكم والغايات التي انطوت عليها الشريعة عند كل حكم من أحكامها”، يمكن القول، إن “إعمال المقاصد”: “هو “القدرة على توظيف المقاصد في فهم النصوص واستنباط الأحكام، والالتفات إليها عند تنزيل الأحكام على واقع المكلفين”.
المطلب الثاني: تعريف الاجتهاد في اللغة والاصطلاح.
الفرع الأول: الاجتهاد في اللغة.
استعمل أهل العربية لفظ “الاجتهاد” للدلالة على الطاقة والوسع، والمشقة، والجد والمبالغة في الأمر، يقال: “استفرع وسعه في حمل الثقيل، ولا يقال استفرغ وسعه في حمل النواة”[24].
قال ابن فارس: “الجيم والهاء والدال أصله المشقة، ثم يحمل عليه ما يقاربه، يقال جهدت نفسي وأجهدت والجهد الطاقة…”[25].
ويقال: “إنّ المجهود اللبن الذي أُخرج زُبده، ولا يكاد ذلك يكون إلا بمشقة ونصب”[26].
وخلاصة المعنى اللغوي، فإن “الاجتهاد” في العربية يطلق على “استفراغ الوسع في تحصيل أمر من الأمور بعد حصول مشقة”.
الفرع الثاني: الاجتهاد في الاصطلاح.
عرف “الاجتهاد” بتعاريف عدة، منها:
ما ذهب إليه الشيرازي في اللمع، يقول: “الاجتهاد في عرف الفقهاء: استفراغ الوسع وبذل المجهود في طلب الحكم الشرعي”[27].
وعرفه الرازي في المحصول، بأنه: “استفراغ الوسع في النظر فيما لا يلحقُهُ فيه لوم، مع استفراغ الوسع فيه”[28].
ونص الآمدي على أن الاجتهاد هو: “… استفراغ الوسع في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية على وجه يحس من النفس العجز عن المزيد فيه”[29].
وعرفه البدر الزركشي، بأنه: “بذل الوسع في نيل حكم شرعي عملي بطريق الاستنباط”[30].
من خلال ما سبق، يمكن القول، إن “الاجتهاد” هو: “استفراغ الفقيه وسعه في استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها الإجمالية أو التفصيلية”.
المطلب الثالث: أهمية إعمال المقاصد في الاجتهاد.
تبرز أهمية “إعمال المقاصد في الاجتهاد” في كونه أعطى للمقاصد مفهوما عمليا، يخرجها من بطون الكتب، وينزلها من أبراجها الدلالية، لتلامس هموم ونوازل الناس؛ ذلك أن حاجة الأمة اليوم لتفعيل المقاصد، أكثر من حاجتها لدراستها[31]، فالمقاصد بقدر ما حظيت باهتمام الباحثين تنظيرا وتأليفا، بقدر ما تم إغفالها من حيث التطبيق[32] والممارسة[33].
فالقول بإعمال المقاصد في الاجتهاد، يفهم منه أن إهمالها قد يُدخل المكلفين في الحرج والمشقة المرفوعين شرعا، وقد يؤدي إلى الجمود وعدم الاجتهاد، وهذا ما دفع ابن عاشور إلى التصريح بأن إهمال النظر في مقاصد الشريعة من أسباب انحطاط الفقه وتخلفه، يقول: “كان إهمال المقاصد سببا في جمود كبير للفقهاء، ومعولا لنقض أحكام نافعة، وأشأم ما نشأ عنه مسألة الحيل التي ولع بها الفقهاء بين مكثر ومقلّ”[34].
هذا التصريح يستفاد منه أن “إعمال المقاصد” آلة لتجديد الفقه، ووسيلة للحفاظ على أحكام الشريعة وتنزيلها على واقع المكلفين، ودعوة إلى القطع مع التقليد الذي عرفه الفقه الإسلامي في بعض العصور، ومظنة لقطع الطريق أمام من ولعوا باستعمال الحيل.
بناء على ما تقدم الحديث عنه، نخلص إلى أن هناك فرقا بين “معرفة مقاصد الشريعة”، وبين “إعمال المقاصد”؛ فإذا كان العلم بمقاصد الشريعة هو: “معرفة وإدراك لأسرار الشريعة بمعزل عن واقع المكلفين”، فإن إعمال المقاصد هو: “توظيف لتلك الحكم والأسرار في فهم النصوص واستنباط الأحكام، والالتفات إليها عند تنزيل الأحكام على واقع المكلفين وفق ما تقتضيه مصلحة الشارع في خلقه”.
المبحث الثاني: فوائد إعمال المقاصد في الاجتهاد.
إعمال مقاصد الشريعة في الاجتهاد له فوائد جليلة، أشار إليها العلماء والباحثون في ثنايا مصنفاتهم تصريحا وتلميحا، ونبهوا إليها في اجتهاداتهم تأصيلا وتفريعا[35]. وبيان ذلك فيما يلي:
المطلب الأول: إعمال المقاصد ضمان لبقاء الشريعة واستمرار لخلودها.
إن إعمال المقاصد في فهم نصوص الوحي، واستنباط الأحكام منها، وتنزيلها على واقع المكلفين، عبر مختلف الأزمنة والأمكنة، يعد وسيلة لبقاء الشريعة وضامنا لاستمرارها وخلودها، وبيان ذلك؛ أن وقائع الناس وأقضيتهم ونوازلهم لا تنحصر عبر الزمان والمكان، وأن نصوص الوحي منحصرة، إشكال علمي يفرض على المجتهدين والباحثين في مجال المقاصد واستنباط الأحكام، التعامل مع النصوص بنظرة شمولية وكلية من أجل معرفة حكمها وأسرارها ومقاصدها، وربطها بغاياتها وعِللها، لتستوعب ما يطرأ من قضايا ومشاكل تظهر وتستجدّ بين الفينة والأخرى[36].
وعليه، فإن إهمال المقاصد، وعدم توظيفها واستخدامها في فهم النصوص، واستنباط الأحكام، وتنزيلها على واقع الناس، قد يؤدي بهم إلى الحرج والمشقة المرفوعين شرعا، واللجوء إلى الحيل، التي قد تناقض أحكام الشريعة، مما ينتج عنه هدم ونقض لكثير من الأحكام النافعة.
المطلب الثاني: الحفاظ على مرونة الفقه الإسلامي.
إن من أصول السّعة والمرونة في الفقه الإسلامي، مجال تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان، وفي هذا يقول ابن القيم: “… هذا فصل عظيم النفع جدا، وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة، وتكليف ما لا سبيل إليه، ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به. فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحِكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها، ومصالح كلها وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة، وإن أدخلت فيها بالتأويل، فالشريعة عدل الله بين عباده ورحمة بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله [ﷺ]”[37].
فإعمال قاعدة “تغير الأحكام بتغير الزمان والمكان، ودوران الفتوى بدوران مصالح العباد” مما يُسهم في سَعَة ومرونة الفقه الإسلامي، والرُقي بأحكامه، ليستوعب الزمان والمكان، يقول حسن العلمي: “ومن تم كانت قاعدة “تغير الأحكام بتغير الزمان والمكان، ودوران الفتوى بدوران مصالح العباد”، من الأصول الكبرى التي تحكم حركة الاجتهاد في الشريعة الإسلامية المتجددة، ولن يتم للمسلمين تجديد الدين، والرُقي بأحكام الفقه الإسلامي إلى المستوى الحضاري الجامع بين أصالة الأحكام ومتطلبات الزمان، إلا بمراعاة هذا الأصل ونُظرائه من أصول السَّعة والمرونة في الشريعة الإسلامية”[38].
لذا، فالحفاظ على سَعة ومرونة الفقه الإسلامي، يطلبان من الفقيه المجتهد استيعاب تغير الأحوال والظروف وتبدُّل الأزمان والأعصار، فإذا تبين له أن بعض الفتاوى التي جرى بها العمل في وقت من الأوقات، أو في مصر من الأمصار، يمكن إعمالها في زمن وموضع آخرين جاز له ذلك، لكن إذا تغيرت الشروط وتبدَّلت الأوضاع، فلا ينبغي له أن يحكم بما سبق حتى لا يدخل الناس في الحرج والمشقة المرفوعين شرعا.
المطلب الثالث: تمكين المجتهد من الاستنباط، وإرشاده إلى فهم معاني الألفاظ.
معرفة الفقيه المجتهد بمقاصد الشريعة، تمكِّنه من ربط الجزئيات بكلياتها أثناء عملية الاستنباط، وبيان ذلك؛ أن “معرفة المقاصد تبين الإطار العام للشريعة، والتصور الكامل للإسلام وتوضح الصورة الشاملة للتعاليم والأحكام، لتَتَكَوَّن النظرة الكلية الإجمالية للفروع، وبذلك يعرف الإنسان ما يدخل في الشريعة وما يخرج منها”[39].
فالعلم بمقاصد الشريعة يُرشد المجتهد إلى المعنى المراد من الألفاظ، ويعينه على تقرير الأحكام الشرعية، ويساعده على تنزيلها على واقع المكلفين، يقول وهبة الزحيلي: “مقاصد الشريعة تُنِير الطريق في معرفة الأحكام الشرعية الكلية والجزئية من أدلتها الأصلية والفرعية المنصوص عليها، وتُعين الباحث والمجتهد والفقيه على فهم النصوص الشرعية وتفسيرها بشكل صحيح عند تطبيقها على الوقائع، كما تُرشد إلى الصواب في تحديد مدلولات الألفاظ الشرعية ومعانيها، لتعيين المعنى المقصود منها، لأن الألفاظ والعبارات قد تتعدد معانيها، وتختلف مدلولاتها، فتأتي المقاصد لتحديد المعنى المقصود منها”[40].
وفي السياق نفسه، يرى عبد المجيد النجار أن العلم بالمقاصد تظهر أهميته بالنسبة للمجتهد في عملية استنباط الأحكام وتنزيلها على واقع المكلفين، يقول: “تظهر أهمية العلم بالمقاصد للمجتهد في أحكام الشريعة في كلّ من مجالي فهم الأحكام وتنزيلها على الواقع. أما فيما يتعلق بالحاجة إلى المقاصد في الفهم، فإن تحصيل أحكام الشريعة من أدلتها يساعد عليه كثيرا العلم بالمقاصد، وذلك من حيث تكون تلك المقاصد المعلومة مرجّحة لحكم على آخر عند النظر في النصوص الظنِّية الدلالة، كما تكون جدّ مفيدة في استخراج الأحكام بطريق القياس، إذ القياس إنما يعتمد على معرفة العلة كما هو معلوم، وليست العلة إلا مقصدا شرعيا جزئيا، (…) فالعلم بها مقصدا يتوقّف عليه استنباط الحكم الشرعي بالقياس.(…)، وأمّا فيما يتعلق بالاجتهاد في تنزيل الأحكام على الواقع، فإن للعلم بالمقاصد دورا كبيرا فيه؛ وذلك لأن أيّما حكم شرعي إنّما يراد منه عند العمل به أن يحقّق مقصده في الواقع، ولكن قد تعرض عوارض زمنية أو مكانية أو شخصية تجعل المقصد المبتغى من الحكم لا يحصل منه تطبيقه على حالة معيّنة من الحالات، وحينئذ فالمقصد حينما يكون معلوما، ويكون معلوما أيضا أنّه سوف لن يتحقّق في الواقع عند تنزيل الحكم الذي شرع من أجله، فإن المجتهد قد يحكم بعدم التنزيل، ويلجأ إلى التأجيل إلى حين تتوفّر الشروط التي تجعل المقصد متحقّقا عند تطبيق الحكم”[41].
وعليه، فإن التَّمكن من مقاصد الشريعة، يساعد الفقيه والمجتهد على استنباط الأحكام، وربط الجزئيات بالكليات، وفهم المعنى المراد من الألفاظ الواردة في النصوص الشرعية.
المطلب الرابع: التقليل من الخلاف الفقهي.
يعتبر التقليل من الخلاف الفقهي، فائدة من فوائد إعمال المقاصد، بل إن هذه الفائدة كانت دافعا وحافزا لابن عاشور في تأليف كتابه مقاصد الشريعة الإسلامية، يقول: “هذا كتاب قصدت منه إلى إملاء مباحث جليلة من مقاصد الشريعة الإسلامية، والتمثيل لها، والاحتجاج لإثباتها، لتكون نبراسا للمتفقهين في الدين، ومرجعا بينهم عند اختلاف الأنظار وتبدّل الأعصار، وتوسلا إلى إقلال الاختلاف بين فقهاء الأمصار، ودُربة لأتباعهم على الإنصاف في ترجيح بعض الأقوال على بعض عند تطاير شرر الخلاف”[42].
فابن عاشور يدعو المجتهدين والباحثين في الحقل الشرعي إلى استحضار المقاصد في عملية استنباط الأحكام وتنزيلها على واقع المكلفين، باعتبارها آلة تساعد على تقليل الخلاف في القضايا الفرعية، كما يدعو كذلك أتباع أئمة المذاهب لإعمال المقاصد في ترجيح الأقوال سواء تعلق الأمر بالخلاف العالي أو النازل بغية تجنُّب التعصب المذهبي المذموم.
ولعل هذه الفائدة، هي التي دفعت الكثير من الباحثين في الحقل المعرفي الشرعي إلى إنشاء “مرجعية من المقاصد الشرعية، في محاولة لتقليل حجم الخلاف في المسائل الفرعية، والخلاف الفقهي نتيجة طبيعية لاختلاف طبائع وأفهام وقابليات البشر الذهنية، ولكن ردّ الاختلاف إلى المقاصد التي هي أقرب لأصول الشريعة الثابتة من الظنّيات الأصولية التقليدية، أقرب إلى نبذ الخلاف والتّعصب المذهبي”[43].
المبحث الثالث: ضوابط إعمال المقاصد في الاجتهاد.
إعمال المقاصد في العمل الفقهي الاجتهادي، يحتاج إلى ضوابط وقواعد تدفع عنه انتحال المبطلين، وتسيب المتعالمين؛ وبيان ذلك أن توظيف المقاصد إذا لم يقيّد بضوابط الشرع وقواعده، ولم يسترشد بنصوصه، يصبح ذريعة للانسلاخ من سلطة النص، الشيء الذي دفع الباحثين في الحقل المقاصدي إلى سَن قواعد وضوابط تحكم هذا التوظيف.
المطلب الأول: الجمع بين الجزئيات والكليات.
مسألة ربط الجزئيات بالكليات، دفعت الشاطبي إلى ضرورة القول بإعادة الاعتبار لثنائية الجمع بينهما في العمل الاجتهادي، وهذا ما صرح به في أكثر من موضع في الموافقات، يقول: “فلا بد من اعتبارهما معا في كل مسألة”[44]. ويقول كذلك: “فالحاصل أنه لابد من اعتبار خصوص الجزئيات مع اعتبار كلياتها وبالعكس وهو منتهى نظر المجتهدين بإطلاق، وإليه ينتهي طلقهم في مرامي الاجتهاد”[45]. ويقول في موضع آخر من الكتاب نفسه: “فإذا تبث بالاستقراء قاعدة كلية ثم أتى النص على جزئي يخالف القاعدة بوجه من وجوه المخالفة، فلا بد من الجمع بينهما”[46]. فهذه النصوص، دعوة صريحة من الشاطبي إلى ضرورة الجمع بين الجزئيات وكلياتها أثناء العملية الاجتهادية.
ولم يكتف الشاطبي عند حديثه عن ضرورة ربط الجزئيات بكلياتها في العمل الاجتهادي، بل نبَّه على مسألة غالبا ما يقع فيها بعض المجتهدين، وهي إهمال النظر في هذا الضابط، واعتبر ذلك من باب الخطأ غير المقبول، يقول: “فلا يصح إهمال النظر في هذه الأطراف؛ فإن فيها جملة الفقه، ومن عدم الالتفات إليها أخطأ من أخطأ، وحقيقته نظر مطلق في مقاصد الشارع، وأن تتبّع نصوصه مطلقة ومقيدة أمر واجب، فبذلك يصحّ تنزيل المسائل على مقتضى قواعد الشريعة، ويحصل منها صور صحيحة الاعتبار”[47].
ويقول محمد سعد اليوبي مؤكدا كلام الشاطبي: “وكل ما تقدم يظهر اللحمة والترابط بين الكلّي والجزئي، وأغلب من يتعامل مع المقاصد في الاجتهاد المعاصر يحاول إبراز الكلّي على حساب الجزئي، وهو خطأ وخلل، وانحراف عن النّهج القويم والمنهج المستقيم”[48].
المطلب الثاني: الموازنة بين المصالح والمفاسد.
ليس غرضي في هذا المطلب أن أتحدث عن طرق الموازنة؛ لأن ذلك مما تكفلت به مصنّفات أصول الفقه قديما وحديثا[49]، وإنما الغرض هو إبراز مدى أهمية هذا الضابط في إعمال المقاصد في النظر الاجتهادي، ولما درج عليه أهل الأصول والمقاصد من أن المقاصد تدور حول قاعدة “جلب المصالح ودرء المفاسد”، وبناء على هذا الأمر لا بد للفقيه المجتهد من معرفة طرق الموازنة بين المصالح والمفاسد عند اجتماعها في محل واحد، وعند تعارض المصالح والمفاسد فيما بينها.
وفي هذا يقول محمد سعد اليوبي: “فمن المهم لمن يتصدى لإعمال المقاصد أن يعرف التعامل مع المصالح المتعارضة، وهو خطير، لأن الإنسان قد يُدرك كون الأمر مصلحة أو مفسدة، ثم يواجه مصلحة أخرى، أو مفسدة، ربما كانت أكبر خطرا، وأعظم أثرا، هذا بالإضافة إلى تفاوت المصالح وضوحا وخفاء، وكذلك المفاسد، وكل ذلك يحتاج إلى تأنّ في تقدير المصلحة أو المفسدة، والنظر إلى الآثار المترتبة عن كل منهما، والممارسة لنصوص الكتاب حتى يكون على بصيرة بذلك فيدرك ما يقصد من المصالح، وما يدرأ من المفاسد”[50].
المطلب الثالث: النظر في المآلات.
يطلب من الفقيه النوازلي قبل أن يصدر الحكم في نازلة من النوازل، أن ينظر فيما يؤول إليه ذلك الحكم، يقول الشاطبي: “النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعا كانت الأفعال موافقة أو مخالفة، وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو الإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل، مشروعا لمصلحة فيه تستجلب، أو لمفسدة تدرأ، ولكن له مآل على خلاف ما قصد فيه، وقد يكون غير مشروع لمفسدة تنشأ عنه أو مصلحة تندفع به، ولكن له مآل على خلاف ذلك، فإذا أطلق القول في الأول بالمشروعية، فربما أدى استجلاب المصلحة فيه إلى مفسدة تساوي المصلحة أو تزيد عليها، فيكون هذا مانعا من إطلاق القول بالمشروعية، وكذلك إذا أطلق القول في الثاني بعدم المشروعية بما أدى استدفاع المفسدة إلى مفسدة تساوي أو تزيد، فلا يصحّ إطلاق القول بعدم المشروعية، وهو مجال للمجتهد صعب المورد، إلا أنه عذب المذاق محمود الغّب، جار على مقاصد الشريعة”[51].
وفي السياق نفسه، يرى عبد المجيد النجار أن: “هذا النظر الاجتهادي للتحقيق في مآلات المقاصد، إلى التحقّق الفعلي أو عدمه، هو نظر دقيق، والقواعد الضابطة فيه عزيزة في دراسات الأصوليين والمقاصديين، ولذلك وصفه الشاطبي بأنه صعب المورد، ولعل الناظر في هذا الشأن قد يتوصل إلى مبتغاه، أو إلى بعض مبتغاه”[52].
وحتى تحصل ملكة معرفة مآلات الأفعال للمجتهد لا بد له من العلم والإحاطة بمسلكين: أولهما؛ العلم النظري بالمؤثرات التي تؤول بالمقاصد المبتغاة من أحكامها إلى غير مآلاتها الطبيعية[53]. وثانيهما؛ العلم بالمسالك التي يسلكها الناظر للكشف عن مآلات المقاصد[54].
المطلب الرابع: التمييز بين المقاصد الثابتة والوسائل المتغيرة.
إن من أهم ضوابط إعمال المقاصد، التمييز بين مراتبها، تقديما للأهم على المهم، وتأخيرا للجزئي على الكلي، وتفعيلا للمقصد بتفعيل وسائله، وضبطا للوسيلة بالكشف عن مقصدها، ذلك أن إغفال المجتهد لهذه المراتب مَظِنَّة لوقوع الخلل والزلل؛ فقد يشتغل بوسائل تخلَّفت عنها مقاصدها، أو بمقاصد تغيرت وسائلها، فلا الوسيلة تنفع، ولا المقصد يتحقّق، إشكال علمي يفرض وضع ضوابط للتمييز بين المقاصد والوسائل[55].
هذا الإشكال العلمي نجد جوابه عند كل من ابن عبد السلام، وابن القيم، وابن عاشور.
يُعتبر ابن عبد السلام من العلماء الذين حازوا قصب السّبق في الإجابة عن هذا الإشكال، وهو بصدد الحديث عن بيان وسائل المصالح في كتابه قواعد الأحكام، يقول: “يختلف أجر وسائل الطاعات باختلاف فضائل المقاصد ومصالحها، فالوسيلة إلى أفضل المقاصد أفضلُ من سائر الوسائل. فالتّوسل إلى معرفة الله تعالى ومعرفة ذاته وصفاته أفضلُ من التّوسل إلى أحكامه، والتّوسل إلى معرفة أحكامه أفضلُ من التّوسل إلى معرفة أيامه…”[56]. ويقول كذلك: “وكلما قويت الوسيلة في الأداء إلى المصلحة كان أجرها أعظم من أجر ما نقص عنها”[57]. وزاد في موضع آخر من الكتاب نفسه، وهو يُبين وسائل المفاسد: “يختلف وزر وسائل المخالفات باختلاف رذائل المقاصد ومفاسدها، فالوسيلة إلى أرذل المقاصد أرذل من سائر الوسائل، فالتَّوسل إلى الجهل بذات الله تعالى وصفاته أرذل من التوسل إلى الجهل بأحكامه، والتوسل إلى القتل أرذل من التوسل إلى الزنا، والتوسل إلى الزنا أقبح من التوسل إلى أكل المال بالباطل، والإعانة على القتل بالإمساك أقبح من الدلالة عليه، وكذلك مناولة آلة القتل أقبح من الدلالة عليه، (…)، وهكذا تختلف رُتب الوسائل باختلاف قوة أدائها إلى المفاسد، فإن الشّهوة تشتدّ بالعناق بحيث لا تطاق، وليس كذلك القُبَلُ والنّظر، والتّشفير أقبح من ذلك كله، لقوة أدائه إلى الزنا. وكلما قويت الوسيلة في الأداء إلى المفسدة كان إثمها أعظم من إثم ما نقص عنها”[58].
يستفاد من كلام ابن عبد السلام، أن الوسائل تأخذ أحكام المقاصد، ودليل ذلك أن “الوسيلة إلى أفضل المقاصد هي أفضل الوسائل، والوسيلة إلى أرذل المقاصد هي أرذل الوسائل”[59]، وبناء على ذلك “تُرتب الوسائل ترتب المصالح والمفاسد. فمن وفقه الله تعالى للوقوف على رتب المصالح عرف فاضلها من مفضولها ومقدَّمها من مؤخَّرها”[60].
وممن تنبَّه لهذا الإشكال كذلك ابن القيم في إعلام الموقعين، يقول: “وما حُرم سدا للذريعة أبُيح للمصلحة الراجحة، كما أبيحت العرايا من ربا الفضل، وكما أبيحت ذوات الأسباب من الصلاة بعد الفجر والعصر، وكما أبيح النظر للخاطب والشاهد والطبيب والعامل من النَّظر المحرم، وكذلك تحريم الذهب والحرير على الرجال حرم لسدّ ذريعة التشبيه بالنساء الملعون فاعله، وأبيح منه ما تدعو إليه الحاجة”[61].
والإشكال نفسه، تناوله ابن عاشور في كتابه مقاصد الشريعة الإسلامية، حيث أفرد له بابا كاملا في القسم الثالث من الكتاب، ترجمه ب “المعاملات في توجه الأحكام التّشريعية إليها مرتبتان: مقاصد ووسائل”، يقول: “هذا الباب هو المدخل لتمييز الأحكام الشرعية المنٌوطة بتصرفات الأمة ومعاملاتها، لِيُعرف ما هو منها في رتبة المقصد، فهو في المرتبة الأولى في محافظة الشرع على إثباته وقوعا ورفعا، وما هو في رتبة الوسيلة؛ فهو في المرتبة الثانية تابع لحالة غيره”[62].
فبعد أن بين ابن عاشور أهمية كلّ من المقصد والوسيلة في الحفاظ على مقصود الشارع في الأحكام، أشار إلى تقصير العلماء قديما، وعدم إعطائهم لهذا المبحث ما يستحقُّه من الدراسة والبحث، يقول: “وهو مبحث مهم لم يف المتقدمون بما يستحقّ من التّفصيل والتّدقيق، واقتصروا منه على ما يرادف المسألة الملقّبة بسدّ الذرائع، فسموا الذّريعة وسيلة والمُتَذَرَّعُ إليه مقصدا”[63]. ثم نص بعد ذلك على ما قام به من بحث مستفيض في باب سدّ الذرائع، يقول: “ونحن قضينا حق البحث في سدّ الذرائع، وجعلنا مبحث المقاصد والوسائل متطلعا إلى ما هو أعلى من ذلك”[64].
كلام يتحصل منه أن الرجل ممن حازوا قصب السبق في الحديث عن المقاصد والوسائل، بعد صنيع كل من ابن عبد السلام في القواعد، والقرافي في الفروق، يقول: “ولم أر من سبق إلى فرض هذا في غير بحث سدّ الذَّرائع ما ذكر في كتاب القواعد لعز الدين بن عبد السلام، وما زاده شهاب الدين القرافي في الفرق الثامن والخمسين”[65]. ليختم كلامه بأن ما قام به هو جمع بين كلام العز بن عبد السلام والشهاب القرافي في سدّ الذرائع، يقول: “وأنا أجمع بين كلامهما لعدم استغناء أحدهما على الآخر”[66].
المبحث الرابع: مجالات إعمال المقاصد في الاجتهاد.
المطلب الأول: تقصيد النصوص.
النصوص الشرعية مجال خصب للمجتهد لإعمال اجتهاده المقاصدي، بغرض فهم معانيها، ومعرفة دلالات ألفاظها، وكشف حِكمها وأسرارها وعللها التي جاءت من أجلها؛ كشف رغم انتباه علماء الأصول والمقاصد قديما لمسالكه وطرقه وآلياته، فإنه ما يزال اليوم بحاجة إلى مزيد من التفعيل والتوظيف والتّوسيع[67]، ليشمل مختلف القضايا والنوازل التي تستجدّ بين الفينة والأخرى؛ لأن مجال هذا العمل الاجتهادي “إنما هو المتغيرات لا الثوابت، فالثوابت من نصوص القرآن والسنة، لا نزاع ولا اجتهاد في حجّيتها وإلزامها لكل مسلم، وإنما البحث والاجتهاد في مقاصد هذه النصوص، وفي تحقيقها في الواقع؛ وفي هذا متّسع للنظر”[68].
فتقصيد النصوص، ينبغي ألا يقتصر دوره على معرفة الأسرار وكشف العلل، بل يجب أن يتجاوز هذا الأمر إلى توسيع أوعية المقاصد، لتستوعب مجالات الحياة، والقضايا المستجدة، يقول ابن بية: “إن البحث عن المقاصد (…)، لا ينبغي أن يقتصر على مجرد جَردٍ للمقاصد، وكشف عن علل أحكام معروفة، بل عليه أن يرمي إلى توسيع الأوعية المقصِديَّة لتشمل مجالات أخرى من القضايا المستجدة لاستنباط واستنبات أحكام في تربة المقاصد الخصبة”[69]، وإلى إعطاء هذه القضايا والنوازل المستجدة أحكامها الشرعية المناسبة، بناء على توظيف المقاصد توظيفا سليما وفق الضوابط التي قرّرها علماء الأصول والمقاصد وهم بصدد الحديث عن ضرورة استخدام المقاصد في العمل الاجتهادي بغرض تقرير الأحكام الشرعية وتنزيلها على واقع المكلفين.
ومادام البحث في مقاصد النصوص الشرعية من غاياته وأهدافه؛ معرفة معانيها وكشف حكمها وعللها، من أجل فهم الواقع واستيعاب قضاياه، فإن الحاجة أصبحت ماسة إليه اليوم، لتشمل المقاصد حياة الفرد والجماعة، ولتَسع مصالح الناس الفردية والجماعية في الدنيا والآخرة.
وفي هذا السياق يرى الدكتور القرضاوي أن التّوسع في إعمال المقاصد في فهم النصوص الشرعية واستحضارها في تنزيل الأحكام على واقع الناس كفيل بتحقيق المصلحة التي لأجلها شرع ذلك الحكم، يقول: “هي المصلحة التي تَسَعُ الدنيا والآخرة، وتشمل المادة والروح، وتوازن بين الفرد والمجتمع وبين الطبقة والأمة، وبين المصلحة القومية الخاصة والمصلحة الإنسانية العامة، وبين مصلحة الجيل الحاضر ومصلحة الأجيال المستقبلية”[70].
المطلب الثاني: توسيع دائرة القياس.
ليس غرضي هنا أن أتحدث عن القياس، وشروطه، وأركانه؛ لأن ذلك مما تكفلت به مصنفات أصول الفقه، وإنما الغرض الأساس، أن أنبِّه على أن التوسعة في دائرة القياس مجال رحب للمجتهد في إعمال مقاصد الشريعة، وفي هذا يقول عبد الكريم صغيري: “إن من أبرز مجالات إعمال المقاصد توظيفها لتجديد علم أصول الفقه، وبثّ الروح في بعض آلياته، تحديدا لمفهومها، وتوسيعا لمجال عملها، لتسعف المجتهد في فهم النصوص، وفي تنزيلها على واقع الناس، بما يجعل حياتهم أقرب إلى مقصود الشارع”[71].
فتوظيف المقاصد في باب القياس أمر يساعد الفقيه المجتهد، على فهم النصوص، واستنباط عللها، ورد الجزئيات إلى كلياتها، وبناء الفروع على أصولها، وفي هذا توسيع لدائرة القياس، يقول حسن الترابي: “أن نتّسع في القياس على الجزئيات لنعتبر طائفة من النصوص، ونستنبط من جملتها مقصدا معينا من مقاصد الدين، أو مصلحة معينة من مصالحه، ثم نتوخى ذلك حيثما كانت الظروف والحادثات الجديدة، وهذا فقه يقربنا من فقه عمر رضي الله عنه”[72].
وقريب مما ذهب إليه حسن الترابي، نجده عند طه جابر العلواني الذي عبر هو الآخر عن دائرة توسيع القياس ب “فقه المقاصد”، يقول: “إن فقه المقاصد يتأسس على مبدإ اعتماد الكليات التشريعية، وتحكيمها في فهم النصوص الجزئية وتوجيهها، فهو نوع من ردّ المتشابهات إلى المحكمات، والفروع إلى الأصول، ولا يقف فقه المقاصد عند حدود التعليل اللفظي والقياس الجزئي، بل ينطلق من منهج استقرائي شامل يحاول الربط بين الأحكام الجزئية وصياغتها في قانون عام دلّت على اعتبار الشرع له الكثير من الأدلة، وتظافرت عليه العديد من الشّواهد. وبذلك يعتبر هذا القانون الكلّي مقصدا من مقاصد الشريعة، فيتحول إلى حاكم على الجزئيات قاض عليها بعد أن كان يستمد وجوده منها، فهو يشبه القانون العلمي التّجريبي الذي يستخلصه الباحث من استقراء ناقص لبعض الجزئيات، ثم يحكم به _فيما بعد_ على كل متشابه لها لم يشمله الاستقراء، بعد التّأكد من صلاحيته للتعميم”[73].
المطلب الثالث: تنزيل الأحكام على محلها.
تنزيل الأحكام على محلها، يَطْلُبُ من المجتهد أن يكون أهلا للتّنزيل ابتداء، ثم على معرفة بالمحلّ الذي يريد تنزيل الحكم عليه، ومما يساعده على ذلك العلم بمقاصد الشارع، لما لهذا العلم من دور مهم في تنزيل الأحكام على واقع الناس المعيش.
ولهذا، فمراعاة المقاصد في تنزيل الأحكام على محلها، أمر لازم للمجتهد في عمله الاجتهادي، وبخاصة عند تنزيل الحكم المستنبط على محله؛ وبيان ذلك أن المجتهد قد يستنبط حكما شرعيا، فتسعفه الظروف والملابسات لتنزيله على الواقع، وحينئذ يكون ملزما بالتنزيل حتى يتحقّق المقصد من ذلك الحكم، وقد لا تسعفه الظروف والحيثيات لتنزيل الحكم على واقعه، بناء على ما سيؤول إليه التنزيل، فيضطر المجتهد إلى تأجيل هذا التنزيل إلى حين توفر الشروط وملاءمة الظروف، والدليل على هذا ما قام به عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عام المجاعة حينما أوقف تطبيق حد السرقة، فعمر رضي الله عنه كان على علم أن السرقة تستوجب القطع – وبهذا فالحكم قائم-، ولكن إيقافه تطبيق حد السرقة، كان بناء على عدم توفر الشروط، وعدم ملاءمة الظروف، وبالتالي اقتضى الأمر تأجيل التنزيل إلى حين توفر شروطه، وملاءمة ظروفه وحيثياته.
المطلب الرابع: معرفة الواقع.
العمل الفقهي الاجتهادي يطلب من الفقيه المجتهد أن يكون على دراية وبيّنة بما يجري في واقعه ومحيطه ومجتمعه، ولن يتأتى له ذلك إلا بالاندماج في هذا الواقع اندماج يتيح له معرفة ظروف وحيثيات الناس والاطلاع على أحوالهم، ويساعده على تقرير الأحكام المناسبة للقضايا والنوازل التي تُعرض عليه في كل وقت حين، وتنزيلها على واقع المستفتين تنزيلا سليما يراعي زمانهم ومكانهم.
وقد نص ابن القيم على ضرورة معرفة فقه الواقع بالنسبة للفقيه، يقول: “ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم: أحدهما فهم الواقع والفقه فيه، واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات، حتى يحيط به علما. والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع، وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله ﷺ في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على الآخر؛ فمن بذل جهده واستفرغ وسعه في ذلك لم يعدم أجرين أو أجرا، فالعالم من يتوصل بمعرفة الواقع والتّفقّه فيه إلى معرفة حكم الله ورسوله، كما توصل شاهد يوسف [عليه السلام] بشقّ القميص من دُبُرٍ إلى معرفة براءته وصدقه …”[74].
وأما الونشريسي، فقد نبه إلى ذلك وهو يبين الفرق بين علم القضاء وعلم الفقه، يقول: “ولا غرابة في امتياز علم القضاء من غيره من أنواع علم الفقه، وإنما الغرابة في استعمال كليات الفقه وانطباقها على جزئيّات الواقع بين الناس، وهو عسير على كثير من الناس فتجد الرجل يحفظ كثيرا من الفقه ويفهمه ويعلّمه غيره، فإذا سئل عن واقعة لبعض العوام من مسائل الصلاة أو مسألة من الأعيان لا يحسن الجواب، بل، ولا يفهم مراد السائل عنها إلا بعد عسر، وللشيوخ في ذلك حكايات نبّه بن سهل في أول كتابه على بعضها”[75].
وعليه، فمعرفة الواقع والتّفقه فيه، أمر ضروري في العمل الفقهي الاجتهادي، باعتبار أن الواقع هو مجال تنزيل الأحكام، ولا يمكن أن يكون التنزيل سليما إلا إذا كان الفقيه المجتهد عالما بما يجري في الواقع الذي يريد تنزيل الأحكام عليه.
خاتمة:
يمكن إجمال خلاصات هذا البحث ونتائجه في النقاط التالية:
– إعمال المقاصد في الاجتهاد: هو القدرة على توظيف المقاصد؛ في فهم النصوص واستنباط الأحكام، والالتفات إليها عند تنزيل الأحكام على واقع المكلفين.
– تبرز أهمية إعمال المقاصد في الاجتهاد؛ في كونه أعطى للمقاصد مفهوما عمليا أخرجها من بطون الكتب، لتلامس واقع المكلفين وحياتهم اليومية.
– الأمة اليوم في حاجة إلى تفعيل وإعمال المقاصد، أكثر من حاجتها إلى التنظير والتأليف فيها.
– إهمال المقاصد في الاجتهاد، كان سببا في جمود كثير من الفقهاء وميلهم إلى التقليد، ومعولا لنقض كثير من الأحكام الشرعية.
– إعمال المقاصد آلة لتجديد الفقه، ووسيلة للحفاظ على أحكام الشريعة وتنزيلها على واقع المكلفين، ودعوة إلى القطع مع التقليد الذي عرفه الفقه الإسلامي في بعض العصور، ومظنة لقطع الطريق أمام من ولعوا باستعمال الحيل.
– هناك فر بين معرفة مقاصد الشريعة، وبين إعمال المقاصد؛ فإذا كان العلم بمقاصد الشريعة هو: “معرفة وإدراك بأسرار الشريعة بمعزل عن واقع المكلفين”، فإن إعمال المقاصد هو: “توظيف تلك الحكم والأسرار في فهم النصوص واستنباط الأحكام والالتفات إليها عند تنزيل الأحكام على واقع المكلفين وفق ما تقتضيه مصلحة الشارع في خلقه”.
– إعمال المقاصد في الاجتهاد، تكمن فائدته في ضبط وترشيد العملية الاجتهادية.
– إعمال المقاصد في الاجتهاد، يحتاج إلى وضع أسس وضوابط تعصم الفقيه المجتهد من الوقوع في الزلل وهو بصدد تقرير الأحكام الشرعية وتنزيلها على واقع المكلفين.
– مجالات إعمال المقاصد، تتعدد بتعدد المجالات التي وظفت فيه هذه المقاصد.
فهرس المصادر والمراجع:
- القرآن الكريم برواية ورش عن نافع.
- ابن القيم، إعلام الموقعين عن رب العالمين، تقديم أبوعبيدة مشهور حسن آل سلمان، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى،1423ه.
- ابن القيم، مفتاح دار السعادة، دار الفكر، دمشق، طبعة، 1420ه.
- ابن بية عبد الله، مقاصد المعاملات ومراصد الواقعات، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، مركز دراسات الشريعة الإسلامية، مطابع المدني المؤسسة السعودية القاهرة، 2009م.
- ابن عاشور، أليس الصبح بقريب، دار سحنون للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1428هـــ _ 2006م.
- ابن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، تحقيق الطاهر الميساوي، دار النفائس للنشر والتوزيع، الأردن، الطبعة الثانية، 1421هـ_2001م.
- ابن عبد السلام، قواعد الأحكام في إصلاح الأنام، تحقيق نزيه كمال حماد، وعثمان جمعة ضمرية، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى، 1421هـ_2000م.
- ابن فارس، مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام محمد هارون، اتحاد الكتاب العربي، الطبعة الأولى 1423هـ.
- ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت،1388هـ.
- الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، تحقيق عبد الرزاق عفيفي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، 1424ه _ 2003م.
- البوطي محمد رمضان، ضوابط المصلحة، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الرابعة، 1402ه.
- البيضاني صادق، نزهة الطرف شرح بناء الأفعال في علم الصرف، (د، ط، ت).
- الترابي حسن، قضايا التجديد؛ نحو منهج أصولي، دار الهادي بيروت، الطبعة الأولى، 2000م.
- الخادمي نور الدين، الاجتهاد المقاصدي: حجيته، مجالاته، ضوابطه، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية قطر، الطبعة الأولى، 1419ه _1998م. كتاب الأمة، ع 25، س 18.
- الرازي، المحصول في علم الأصول، تحقيق طه جابر العلواني، مؤسسة الرسالة، (د، ط، ت).
- الرافعي عبد السلام، فقه المقاصد وأثره في الفكر النوازلي، إفريقيا الشرق، المغرب، 2004م.
- الرصاع، شرح حدود ابن عرفة، تحقيق محمد أبو الأجفان والطاهر المعموري، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1993م.
- الريسوني أحمد، نظرية المقاصد عند الشاطبي، تقديم طه جابر العلواني، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1416هـ_1990م.
- الزركشي، البحر المحيط في أصول الفقه، تحرير عبد القادر عبد الله العاني ومراجعة عمر سليمان الأشقر، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويت، الطبعة الثانية، 1413ه_1992م.
- الشاطبي، الموفقات في أصول الشريعة، تعليق عبد الله دراز، المكتبة التجارية، مصر.
- الشيرازي، اللمع في أصول الفقه، تحقيق محيي الدين مستو ويوسف علي بديوي، دار الكلم الطيب ودار ابن كثير، دمشق، بيروت، الطبعة الثانية، 1997م.
- صغيري عبد الكريم، إعمال المقاصد وأثره في النوازل المالية عند المالكية، بحث لنيل شهادة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس فاس، 2011_2012م.
- العلمي حسن، الاجتهاد وتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان، بحث مقدم لندوة:” الاجتهاد الفقهي أي دور وأي جديد”، منشور بسلسلة ندوات ومناظرات رقم53، كلية الآداب الرباط.
- العلواني طه جابر، مقاصد الشريعة، دار الهادي، الطبعة الأولى، 1421ه _2001م.
- عودة جاسر، فقه المقاصد: إناطة الأحكام الشرعية بمقاصدها، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الطبعة الأولى ،1427ه _2006م.
- عيد محمد، نحو الألفية، شرح أصيل لألفية ابن مالك، مكتبة الشباب المنيرة، 1990م.
- الفاسي علال، مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الخامسة، 1993م.
- الفلوسي أحمد، مراعاة مقاصد المكلفين في الفتوى من خلال كتاب المعيار المعرب والجامع المغرب لأبي العباس أحمد الونشريسي، رسالة لنيل شهادة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية، كلية الآداب مكناس، 1432ه_2011م.
- الفيروز آبادي، القاموس المحيط، دار المعارف البيضاء، الطبعة الأولى، 1989م.
- القرضاوي يوسف، المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، مكتبة وهبة القاهرة، الطبعة الثالثة، 1967م.
- مجموعة من الباحثين، حقوق الإنسان محور مقاصد الشريعة، كتاب الأمة، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية قطر، الطبعة الأولى، 1423هـ_2002م.
- النجار عبد المجيد، مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة، دار الغرب الإسلامي، بيروت لبنان، الطبعة الأولى، 2006م.
- الونشريسي، المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوي أهل إفريقية والأندلس والمغرب، خرجه جماعة من الفقهاء بإشراف محمد حجي، نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية للمملكة المغربية، 1401ه -1981م.
- اليوبي محمد سعد، ضوابط إعمال مقاصد الشريعة في الاجتهاد، مجلة الأصول والنوازل، ع 4، رجب 1431هــ.
- اليوبي محمد سعد، مقاصد الشريعة الإسلامية وعلاقتها بالأدلة الشرعية، دار الهجرة للنشر والتوزيع، السعودية، الطبعة الأولى، 1418 ه -1998م.
[1] ابن القيم، إعلام الموقعين عن رب العالمين، تقديم أبوعبيدة مشهور حسن آل سلمان، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى، 1423ه، 4/ 388.
[2] ينظر: البيضاني، نزهة الطرف شرح بناء الأفعال في علم الصرف، (د، ط، ت)، ص50.
[3] نفسه، ص 50.
[4] نفسه، ص 50.
[5] ينظر: عيد، نحو الألفية، شرح أصيل لألفية ابن مالك، مكتبة الشباب المنيرة، 1990م، ص 638.
[6] صغيري، إعمال المقاصد وأثره في النوازل المالية عند المالكية، بحث لنيل شهادة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس فاس، 2011_2012م، ص21.
[7] صغيري، إعمال المقاصد وأثره في النوازل المالية عند المالكية، ص 21.
[8] الرصاع، شرح حدود ابن عرفة، تحقيق محمد أبو الأجفان والطاهر المعموري، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1993م، 1/ 367.
[9] الشاطبي، الموفقات في أصول الشريعة، تعليق عبد الله دراز، المكتبة التجارية، مصر، 4/ 122.
[10] المرجع نفسه، 3/ 308.
[11] المرجع نفسه، 1/ 180.
[12] ينظر: صغيري، إعمال المقاصد وأثره في النوازل المالية عند المالكية، ص 21-22.
[13] ينظر: لسان العرب، دار صادر، بيروت، 1388هـ، مادة (ق، ص، د).
[14] الشاطبي، الموفقات في أصول الشريعة، 2/ 8.
[15] ابن منظور، لسان العرب، مادة (ق، ص، د).
[16] الفيروز آبادي، القاموس المحيط، دار المعارف البيضاء، الطبعة الأولى، 1989م، مادة (ق، ص، د).
[17] ينظر: على سبيل المثال؛ الريسوني، نظرية المقاصد عند الشاطبي ص 5 وما بعدها. والخادمي، الاجتهاد المقاصدي: حجيته وضوابطه ومجالاته ص 52. واليوبي، مقاصد الشريعة وعلاقتها بالأدلة الشرعية، ص33 وما بعدها. والرافعي، فقه المقاصد وأثره في الفكر النوازلي ص 20 وما بعدها. والفلوسي، مراعاة مقاصد المكلفين في الفتوى من خلا ل معيار الونشريسي ص 17 وما بعدها.
[18] ينظر: صغيري، إعمال المقاصد وأثره في النوازل المالية، ص 24.
[19] ابن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، تحقيق الطاهر الميساوي، دار النفائس للنشر والتوزيع، الأردن، الطبعة الثانية، 1421هـ_2001م.ص 50.
[20] الفاسي، مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الخامسة، 1993م ص 3.
[21] الفاسي، مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها، ص 41_42.
[22] الريسوني، نظرية المقاصد عند الشاطبي، ص19.
[23] المرجع نفسه، ص 19.
[24] الرازي، المحصول في علم أصول الفقه، تحقيق طه جابر العلواني، مؤسسة الرسالة، (د، ط، ت)، 6/ 6.
[25] ابن فارس، مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام محمد هارون، اتحاد الكتاب العربي، الطبعة الأولى 1423هـ، مادة (ج هـ د).
[26] المرجع نفسه، مادة (ج هـ د).
[27] الشيرازي، اللمع في أصول الفقه، تحقيق محيي الدين مستو ويوسف علي بديوي، دار الكلم الطيب ودار ابن كثير، دمشق، بيروت، الطبعة الثانية، 1997م، ص 258.
[28] الرازي، المحصول في علم أصول الفقه، 6/6.
[29] الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، تحقيق عبد الرزاق عفيفي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، 1424ه _ 2003م، 4/197.
[30] الزركشي، البحر المحيط في أصول الفقه، تحرير عبد القادر عبد الله العاني ومراجعة عمر سليمان الأشقر، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويت، الطبعة الثانية، 1413ه_1992م، 6/197.
[31] الأمة اليوم في حاجة ماسة إلى المقاصد في شقيها النظري والتطبيقي.
[32] والحقيقة أن كتب النوازل حافلة بإعمال المقاصد، ينظر على سبيل المثال؛ المعيار للونشريسي، والمعيار الجديد للمهدي الوزاني.
[33] ينظر: صغيري، إعمال المقاصد وأثره في النوازل المالية، ص 25-26.
[34] ابن عاشور، أليس الصبح بقريب، دار سحنون للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1428هـــ _ 2006م، ص 174.
[35] ينظر: صعيري، إعمال المقاصد وأثره في النوازل المالية، ص 53.
[36] ينظر: المرجع نفسه، ص 54.
[37] ابن القيم، إعلام الموقعين، 4/ 388.
[38] العلمي، الاجتهاد وتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان، بحث مقدم لندوة:” الاجتهاد الفقهي أي دور وأي جديد”، منشور بسلسلة ندوات ومناظرات رقم53، كلية الآداب الرباط، ص 107.
[39] مجموعة من المؤلفين، حقوق الإنسان محور مقاصد الشريعة، كتاب الأمة، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية قطر، الطبعة الأولى، 142هـ_2002م، ص 75.
[40] مجموعة من المؤلفين، حقوق الإنسان محور مقاصد الشريعة، ص 77.
[41] النجار، مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة، دار الغرب الإسلامي، بيروت لبنان، الطبعة الأولى، 2006م، ص 19_20.
[42] ابن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، ص 165.
[43] عودة، فقه المقاصد: إناطة الأحكام الشرعية بمقاصدها، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الطبعة الأولى ،1427ه _2006م، ص 8.
[44] الشاطبي، الموفقات في أصول الشريعة، 3/9.
[45] الشاطبي، الموفقات في أصول الشريعة، 3/13.
[46] المرجع نفسه، 3/9.
[47] المرجع نفسه، 3 /15.
[48] اليوبي، ضوابط إعمال مقاصد الشريعة في الاجتهاد، مجلة الأصول والنوازل، ع 4، رجب 1431هــ، ص 50.
[49] ينظر: ابن القيم، مفتاح دار السعادة، 2/404. وابن عبد السلام، قواعد الأحكام في إصلاح الأنام، 1/81. والبوطي، ضوابط المصلحة، ص240.
[50] اليوبي، ضوابط إعمال مقاصد الشريعة الإسلامية في الاجتهاد، ص 51.
[51] الشاطبي، الموفقات في أصول الشريعة، 4/194_195.
[52] ينظر: النجار، مقاصد الشريعة الإسلامية بأبعاد جديدة، ص 269.
[53] لمعرفة هذه المؤثرات، ينظر المرجع السابق، ص 270_275، وقد فصل الباحث في هذه المؤثرات، موردا أمثلة تطبيقية لكل نوع من الأنواع المذكورة.
[54] ينظر: النجار، مقاصد الشريعة الإسلامية بأبعاد جديدة، ص 269
[55]ينظر: صغيري، إعمال المقاصد وأثره في النوازل المالية، ص 138.
[56] ابن عبد السلام، قواعد الأحكام في إصلاح الأنام، تحقيق نزيه كمال حماد، وعثمان جمعة ضمرية، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى، 1421هـ_2000م، 1 /165.
[57] المرجع نفسه، 1/166.
[58] ابن عبد السلام، قواعد الأحكام في إصلاح الأنام، 1/173.
[59] المرجع نفسه، 1/74.
[60] المرجع نفسه، 1/74.
[61] ابن القيم، إعلام الموقعين، 2/108.
[62] ابن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، ص 413.
[63] ابن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، ص 413.
[64] المرجع نفسه، ص 413.
[65] المرجع نفسه، ص 413.
[66] المرجع نفسه، ص 413.
[67] صغيري، إعمال المقاصد وأثره في النوازل المالية، ص94.
[68] المرجع نفسه، ص94.
[69] ابن بية، مقاصد المعاملات ومراصد الواقعات، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، مركز دراسات الشريعة الإسلامية، مطابع المدني المؤسسة السعودية القاهرة، 2009م، ص 19.
[70] القرضاوي، المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، مكتبة وهبة القاهرة، الطبعة الثالثة، 1967م، ص 62.
[71] صغيري، إعمال المقاصد وأثره في النوازل المالية، ص 96.
[72] الترابي، قضايا التجديد؛ نحو منهج أصولي، دار الهادي بيروت، الطبعة الأولى، 2000م، ص 166-167.
[73] العلواني، مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة، دار الهادي، الطبعة الأولى، 1421ه _2001م، ص 124_125.
[74] ابن القيم، إعلام الموقعين، 2/165.
[75] الونشريسي، المعيار المعرب، خرجه جماعة من الفقهاء بإشراف محمد حجي، نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية للمملكة المغربية، 1401ه -1981م، 10/79_80.
1 التعليق
Fadoua Hmami
23/02/2023, 4:10 ممقال فالمستوى يستحق القراءة اتمنى للدكتور التوفيق
الرد