نحو تأصيل القول في الحريات الفردية

نحو تأصيل القول في الحريات الفردية

د. محماد رفيع

           يقتضي الحديث عن مفهوم الحريات الفردية أن يتقدمه الكلام عن مفهوم الحرية من حيث هو أصل تتفرع عنه أنواع من الحريات الفردية والجماعية وغيرها، لأن التأصيل مقدم على التفصيل.

أولا: الحرية في منطق الشريعة: مفهوما

            لعل المتتبع لموارد لفظة الحرية ومشتقاتها في السياق الشرعي كتابا وسنة يلفيها لا تكاد تخرج عن ثلاث صيغ: الحر – تحرير – محرر-

فإذا كان للفظة الحرية في أصالتها اللغوية حمولة دلالية واسعة جماعها الخير والحسن والفضل والشرف، وما خلص من الرق وبرئ من العيب والنقص، فإن دلالتها في الاستعمال الشرعي كتابا وسنة لا يكاد يخرج عما يقابل العبودية لغير الله كما في قوله تعالى: ﴿  كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ﴾ [البقرة: 178]؛ في سياق العقوبات الجنائية على جريمة الاعتداء على حق الحياة، وفي قوله تعالى في سياق بيان أحكام المسؤولية المدنية في القتل الخطأ: ( ومن قتل مومنا خطأ فتحرير رقبة مومنة)، وقوله تعالى في سياق معالجة واحدة من مشاكل الأسرة وهي ظاهرة الظهار: “والذين يظهرون من نسائهم ثم يعوذون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا”( المجادلة:).

وجاء التحرر بمعنى الخلوص للعبادة والانفكاك من كل أسر الدنيا[1] في قوله تعالى على لسان امرأة عمران: ” ( إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [آل عمران : 35]

ووردت في السنة الحرية بمعنى ما يقابل العبودية، ومنها ما جاء في سياق بيان أصالة الحرية في الإنسان واستبشاع واستعظام استعباده لغير الله، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: ” قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة. . . ــــ وذكر منهم ـــ ورجل باع حراً فأكل ثمنه ” ([2]).

وعليه فالحرية صفة فطرية في الإنسان من حيث هو إنسان، أو بعبارة الطاهر ابن عاشور “الحق الأصلي المستحق بالتكوين وأصل الجبلَّة”، وعليه فالحرية صفة لازمة لإنسانية الإنسان، وهذا ما قصده الفيلسوف هيكل حين قال: ” الحرية هي العنصر المكون لمفهوم الإنسان”[3]، وأوضح جون بول سارتر قيمة الحرية أكثر بقوله: “إنّ الإنسان ليس إنساناً إلا بحريته، فالحرية يصح اعتبارها تعريفاً للإنسان.”[4].

فيمكن القول بناء على ما سبق: إن الحرية ملكة خاصة تميز الإنسان عن غيره من حيث هو كائن عاقل يصدر في أفعاله وأقواله عن إرادته لا إرادة غيره، ومن هنا يتأسس مفهوم الحرية على العقل والإرادة والاختيار والمسؤولية، ويؤكد وهبة الزحيلي ارتباط مفهوم الحرية بالمسؤولية من حيث الممارسة بقوله: “هي ما يميز الإنسان عن غيره، ويتمكن بها من ممارسة أفعاله وأقواله وتصرفاته بإرادة واختيار، من غير قسر ولا إكراه، ولكن ضمن حدود معينة”([5]).

ثانيا: الحكم الشرعي للحرية

الأصل في اختيارات الإنسان الإباحة، وهذا ما أشار إليه الأستاذ راشد الغنوشي في تعريفه للحرية: “الحريَّة بالمعنى التكويني هي إباحة واختيار، وهي مسؤولية ووعي بالحق والتزام به وفناء فيه أو هي فطرة“، وقال الدريني مؤكدا حكم الإباحة للحرية: ” الحرية تخيير للمكلف بين الفعل والترك دون مدح أو ذم”([6]).

            فإذا ما تقرر أن الحرية فطرة جبلية في الإنسان بمقتضاها يتصرف وفق إرادته واختياره ضمن حدود القانون بشقيه الكوني والشرعي، فإن حماية هذه الحرية مما ينافيها من ألوان العبودية والإكراه فريضة شرعية على الأفراد والجماعات والدول تحت طائلة الحساب الأخروي، فقد حمل الله مسؤولية حماية حرية العاجزين عن حماية أنفسهم، كما في قول الله تعالى: ” وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا”، وأمر الإنسان بالدفاع عن حريته حتى الشهادة في قوله صلى الله عليه وسلم: ” مَن قُتِلَ دون ماله فهو شهيد، ومَن قُتِلَ دون نفسه فهو شهيد، ومَن قُتِلَ دون أهله فهو شهيد”، فهذا إعلان لشأن الدفاع عن حرية الإنسان في أن يعيش حياته ويتصرف في  ماله، ويعيش بين أهله، ولعل هذا ما جعل علال الفاسي يصنف الحرية تكليفا شرعيا فيقول: “الحريَّة جعلٌ قانوني وليس حقاً طبيعياً، فما كان الإنسان ليصل إلى حريته لولا نزول الوحي، وأنَّ الإنسان لم يُخْلَق حراً، وإنَّما ليكون حراً”([7])،

ومما جبل عليه الإنسان العقل والإرادة والاختيار، وتلك هي مكونات مفهوم الحرية، وجاءت الشريعة بأحكامها ومقاصدها لتحمي هذه الفطرة فسلكت مسلك الحوار مع إرادة الإنسان في تبليغ تكاليفها، ومنعت أي لون من ألوان الإجبار والإكراه لإرادة الإنسان في اختياراته ما دامت تلك الاختيارات لا تضر بإرادة الآخرين، فنهت الشريعة عن الإكراه أسلوبا في تبليغ الدين في قوله تعالى: ” لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي”، وقوله سبحانه: “وما أنت عليهم بجبار”، وقوله عز من قائل: ” فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر”، وقوله: ” أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مومنين”.

وشرطت في التكليف العقل والمسؤولية والإرادة والاختيار، ونفت المسؤولية عن الإنسان حين تنتفي إرادته بالإكراه والإجبار، فلا تكليف في الشريعة إلا بمقدور، مصداقا لقول الله تعالى: ” لا يكلف الله نفسا إلا وسعها”، وقوله عليه السلام: ” رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه” وعن هذه النصوص ومثيلاتها في الموضوع نشأت قاعدة: ” الضرورات تبيح المحظورات”

ثالثا: الحرية مقصد شرعي

مما يؤكد تشوف الشريعة إلى الحرية أنها وضعت نظام العبودية الذي كان مستحكما في العالم حينها، في سياق استراتيجيتها التشريعية والتربوية الهادفة إلى التخلص منه نهائيا بكيفية تدريجية، فوسعت ابتداء مخارج التحرير، فجعلت تحرير الإنسان من عبوديته مصرفا من مصارف الزكاة، بحيث تنفق الدولة كل سنة وفي كل موسم من مواسم الزكوات نصيبا مهما من مال الزكاة  في تحرير نسبة عظيمة من أهل الرق، كما وضعت الشريعة التحرير واحدة من عقوبات التكفير عن الذنب سواء على مستوى القتل الخطأ، أو الإفطار عمدا في رمضان، أو في حالة الظهار من الزوجة، أو في حالة الحنث في اليمين، وهي مخالفات سلوكية تكاد تتكرر يوميا في المجتمع مما يجعلنا أمام نسبة إحصائية مهمة من التحرر، كما ضيقت مداخل الاستعباد فحسمت تحريما أمر استعباد الأحرار، وبيع الأولاد، وخطف الأحرار وبيعهم في سوق النخاسة إلى غيرها من مداخل استعباد الإنسان الشائعة حينها، وأبقت على مدخل أسرى الحرب باعتباره عرفا عالميا مستحكما زمنئذ، لكن وفق استراتيجية الشريعة وقصدها في إنهائه.

ومن الناحية التربوية جعلت الشريعة تحرير الإنسان من أسره قربة عظيمة عند الله تعالى، وهو ما شكل تحريضا ربانيا للمسلمين على  القضاء على العبودية بتوسيع دائرة تحرير الرقاب، لتزداد نسبة الحرية وتتقلص نسبة العبودية، ومن جهة أخرى أوصت الشريعة أن يعامل من تحت أيدي المسلمين من العبيد والإماء معاملة الأخوة على أساس المساواة في التعامل ( إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم” رواه الشيخان البخاري ومسلم.

وكانت نتيجة هذه العاملة الحضارية الإنسانية التربوية غير المعهودة في سياق عالم تسحق فيه إنسانية الإنسان وتهدر كرامته، أن المتحررين من الناس رفضوا الالتحاق بأوطانهم الأصلية، وفضلوا البقاء بين المسلمين، حتى صار منهم علماء ومحدثون ومفسرون وحكام وقضاة وغيرهم، لذلك قرر الفقهاء قاعدة مقاصدية وهي أن الإسلام متشوف إلى الحرية.

رابعا: الحرية بين الإطلاق والتقييد

            ومن جهة أخرى، فإذا كان مطلوب الله من خلقه إخلاص العبودية له سبحانه، فهو مطلوب لا يتحقق إلا بتحقيق الحرية المطلقة للإنسان من كل ما سوى الله، إذ كلما ازداد الإنسان عبودية وإقبالا على ربه كلما ازداد حرية وانفكاكا من قيود النفس والدنيا، ولعل هذا ما أكده حسن الترابي حين قال: “ولئن كانت الحريَّة في وجهها القانوني إباحة فإنَّها في وجهها الديني طريق لعبادة الله، فالواجب على الإنسان أنْ يتحرر لربِّه مخلصاً في اتخاذ رأيه، ومواقفه؛ وهذه الحريَّة في التَّصور الإِسْلاَمِي مطلقة لأنَّها سعي لا ينقطع نحو المطلق، وكلَّما زاد إخلاصاً في العبودية لله زاد تحرراً من كل مخلوق في الطبيعة. . . وحقق أقداراً أكبر من درجات الكمال الإنساني”([8]).

            وقد ارتبطت هذه الحرية المطلقة المطلوبة من الإنسان في علاقته بربه بقصد الشارع من إنزال شريعته، لخصه الإمام الشاطبي في قوله: ” المقصد الشرعي من وضع الشريعة إخراج المكلف عن داعية هواه ; حتى يكون عبدا لله اختيارا، كما هو عبد لله اضطرارا”[9].

أما تقييد الحرية فاستثناء لموجب اقتضته تعددية الحريات بتعدد أفرادها من جهة، والحريات العامة من جهة ثانية، وهو ما يستلزم ضرورة تدبير ممارسة الحريات الفردية حتى لا تنتهك حريات أفراد آخرين أو حرية الجماعة، ومن هنا نشأ القول بالقانون ووجوب الالتزام بالقانون الضامن لوحدة ومصلحة المجتمع وحماية الأفراد، إذ بالقانون وحده تقيد الحرية، وقد تقرر أنه” لا ينتزع الحق من مستحقه إلا لضرورة تقيم مصلحة عامة”([10]).

وخلاصة القول فالحرية نوعان حرية عمودية وحرية أفقية، فأما العمودية وهي حرية الإنسان في معرفة ربه والسعي إليه سبحانه فمطلوب أن تكون مطلقة، بينما الحرية الأفقية وهي ممارسة الأفراد لحرياتهم في سياق الجماعة، ترد عليها قيود استثنائية، وهي قيود وظيفية تنظيمية لتكون ممارسة الأفراد لحرياتهم ممارسة حضارية إنسانية، وإلا تحولت إلى فوضى بهيمية، ومن هنا نشأ الوعي بالالتزام بالقانون في المجتمعات الغربية التي ظهر فيها مفهوم الحريات الفردية، حتى صار الالتزام بالقانون مبدأ عاما وثقاقة مشاعة في تلك المجتمعات.

خامسا: ما حكم الحريات الفردية في السياق المغربي؟

            أ_ مفهوم الحريات الفردية في السياق المغربي

يقصد “التيار الحداثي بالمغرب” بالحريات الفردية حرية كل شخص في اختياراته وجسده وسلوكه وعلاقاته الجنسية…، دون أي وصاية دينية أو قانونية أو تقاليد مجتمعية، وذلك استنادا لمفهوم توماس هوبز البريطاني للحرية الذي هيمن على أدبيات الحداثة الغربية.

فإذا كان هيكل يربط مفهوم الحرية بالالتزام بالواجب والقيم، فيقول: ” فالواجب يحرر الإنسان أولاً من التبعية للنزوات الطبيعية ومن الاكتئاب الناجم عن عجز الإنسان عن تحقيق الأمثل؛ وثانياً يحرره من البقاء في حالة عدم تعين نتيجة استغراقه في معاني بعيدة كل البعد عن الحياة العملية”[11]، فإن توماس هوبز يذهب إلى تأسيس مفهوم الحرية على إطلاق إرادة الفرد حيث يقول: “الحرية بمفهومها الصحيح هي غياب القيود الخارجية التي تحول بين الإنسان وفعل ما يمليه عليه عقله وحكمته”[12]، وهو التعريف الذي يتناقض مع ما ذهب إليه هو نفسه من مفهومي العقد الاجتماعي والقانون الطبيعي.

            غير أن الغلبة والتمكين كان لمفهوم هوبز لما تبنته السياسية البريطانية الأمريكية وسوقته في العالم كقيمة إنسانية، وتولى معها إلى الظل المفهوم الهيكلي الألماني، وكانت النتيجة الميدانية لتبني السياسات الغربية لمفهوم الهوبزي للحرية، الحركة الاستعمارية للشعوب غير الغربية، والحرب العالمية الثانية، والحرب الباردة، والعولمة المتوحشة واللائحة مفتوحة.

أما في السياق المغربي فقد نشأ القول عمليا بالحريات الفردية منذ ظهور الحديث عن المطالبة بإلغاء الفصول 489 و490 و491 و492 من القانون الجنائي التي تتعلق بتجريم المثلية الجنسية والعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج والخيانة الزوجية، وكذا تجريم الإجهاض وهو ما تمخض عنه مشروع تعديل القانون الجنائي في شأن تلك الموضوعات، مع المطالبة بمراجعة مفهوم الإخلال بالحياء العام.

ب_ حكم نازلة الحريات الفردية في السياق المغربي

            فهذه المضامين المطلوب رفع الحظر القانوني عنها منافية لمفهوم الحرية، سواء في سياقها الغربي أو في سياقها الشرعي، ففي سياق الحداثة الغربية وما عرفته من تحولات حضارية ضمن خصوصياتها الثقافية والتاريخية، نشأت مفاهيم الديمقراطية، والدولة، وحقوق الإنسان، والمساواة، واحترام القانون، والحرية بجميع فروعها: الفردية والجماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، فاجتزاء مفهوم الحريات الفردية من سياقه الغربي، وتجاهل باقي مكونات النسق الثقافي لمفهوم الحريات الفردية، ومنها ثقافة الالتزام بالقانون المؤطرة لمفهوم الحريات الفردية، وتجاهل التعددية المذهبية لمفهوم الحرية في السياق الغربي نفسه، وتجاوز لخصوصيات المفهوم في منشئه ونسقه الحضاري، بداعي كونية المفهوم تعسف بلا موجب وتحريف للكلم عن موضعه ولحن في القول.

            كما أن هذا الاستيراد الحرفي الميكانيكي لمفهوم الحريات الفردية دون النظر إلى مآلات تطبيقاته الغربية المعاصرة الكارثية على الإنسانية من إثارة الحروب العسكرية والاقتصادية والالكترونية وصناعة بؤر التوتر في العالم بمنطق القوة ومصلحة الأمن القومي اللذين أصبحا مرتبطين بمفهوم الحرية الفردية على مذهب هوبز، مقامرة ساذجة غير محسوبة العواقب.

            أما علاقة المفهوم المجتزأ بالهوية الثقافية الجامعة للمجتمع المغربي التي تنتظم في سلك الدين الإسلامي،  فهي علاقة تناف وتضاد على نحو واضح وصريح، ذلك أن المضامين التي حشي بها مصطلح الحريات الفردية، (من قبيل إباحة العلاقة الجنسية خارج مؤسسة الزواج، والخيانة الزوجية، والشذوذ الجنسي، وإطلاق إباحة الإجهاض والإفطار العلني في رمضان)، هي فساد خلقي تجب مقاومته في سياق مقاومة الفساد وقرينه الاستبداد، وهي مفاسد مقطوع بها في قانون الشريعة بنصوص صريحة غير قابلة للتأويل، وبمعان شرعية مبثوثة في مختلف أبواب الشريعة أفادت بمجموعها القطع استقراء، كما أنها مضامين مصادمة لهوية الشعب المغربي الثقافية ولنظامه العام.

            فلا غرو أن نجد المنادين بالحريات الفردية يصنفون الدين والأخلاق قيودا للحريات الفردية يجب أن تزال، ورحم الله الإمام ياسين الذي قال: ” هم يقولون عكس ما نقول: فتحرير الإنسان عندهم لا يصح إلا عبر تحريره من الدين، والثقل الذي يعوق عن التفكير هو الدين، والقيد الذي يمسك طاقات المجتمع ويمنعها من الانطلاق والإنتاج هو الدين، فإزالة الدين من طريق الإنسانية وتنحيته والقضاء عليه ضرورة سياسية علمية”[13].

          خلاصة الموضوع:

            بعد هذا العرض الموجز في مفهوم الحريات الفردية وحكمها الشرعي ومقصدها، نخلص إلى تقرير الآتي:

  • الحرية المأصولة بتعبير طه عبد الرحمن اختيار مسؤول، ونفي الإجبار والإضرار، والتزام بالقانون، وتحرير الإنسان من قيود الفتنة المثلثة: فتنة الإنسان وفتنة الشيطان وفتنة السلطان.
  • أما الحرية المنقولة غير المأمونة ففتنة في الأرض وفساد عريض.
  • أما من حيث الإطلاق والتقييد فالحرية أصل وتقييدها استثناء، والتقييد لا يكون إلا بالنصوص التشريعية المنظمة لممارسة حق الحرية.
  • ونستطيع أن نميز وظيفيا بين الحرية المأصولة والحرية المنقولة من خلال الآتي:
  • الحرية المأصولة تبني والحرية المنقولة تهدم،
  • الحرية المأصولة تجمع والحرية المنقولة تفرق
  • الحرية المأصولة تصلح والحرية المنقولة تفسد
  • الحرية المأصولة تنشئ تنمية والحرية المنقولة تحدث تخلفا.
  • الحرية المأصولة سلوك إنساني حضاري والحرية المنقولة سلوك بهيمي متخلف.
  • من هنا ندرك أن الاستبداد حين يطول في الناس فإنه يفسد أخلاقهم وتصوراتهم للحياة، وذلك هو التضليل الذي هو من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون.

ولا ننسى في النهاية أن الاستبداد حين يمسك بتلابيب المجتمع، فإنه لا يفسد فقط تصرفات الناس في حياتهم وإنما يفسد كذلك تصوراتهم للحياة، فيعجزون عن معرفة أولويات حاجياتهم الزمنية، فتراهم يتخبطون في فكرهم وتصرفاتهم كأنهم سكارى وما هم بسكارى، ولكن آثار الاستبداد والإفساد شديد.

والحمد لله رب العالمين

 

[1] – ينظر تفسير ابن عاشور لهذه الآية في التحرير والتنوير، وأبو زهرة وغيرهما.

([2]) محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري، ط1 (بيروت: دار طوق النجاة مصورة عن السلطانية، 1422ه)، 3/82، ح2227

[3]  دروس في تاريخ الفلسفة، هيغل، باريس غاليمار، 1964 ، ص 63

[4]  الوجودية مذهب إنساني، جون بول سارتر، ترجمة كمال الحاج، دار الطليعة، ط. 1، 2003 ، ص 1

([5]) وهبه الزحيلي، حق الحُرِّية في العالم، ط1، ( دمشق: دار الفكر، 2000م)، ص39.

([6]) الدريني، الحق ومدى سلطان الدولة في تقييده، ط3، (دمشق: مؤسسة الرسالة،1984)، ص200

([7]) علال الفاسي، مقاصد الشَّرِيعَة الإسلامية ومكارمها، ط2، ( الرباط: مطبعة الرسالة، 1979م)، ص244.

([8]) راشد الغنوشي، الحُرِّيات العامة في الدَّوْلة الإسلامية، ط1، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1993م)، ص38 نقلاً عن حسن الترابي، الحُرِّية والوحدة.

([9]) الشاطبي، أبو إسحاق، الموافقات

([10]) ابن عاشور، مقاصد الشريعة 3/420

[11]– p107 ، Hegel, Philosophy of Right, Franz. TM. Knox (Oxford University Press, 1967

[12] – 375 Thomas Hobbes, Leviathan, in William Bernstein (NY: Holt, 1969).p

[13] – ياسين، عبد السلام، الإسلام والقومية العلمانية ص 105

مواضيع ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *