تقرير علمي عن محاضرة حول: “معالم وضوابط إعمال المقاصد في النّوازل المالية”

تقرير علمي عن محاضرة حول: “معالم وضوابط إعمال المقاصد في النّوازل المالية”

نظّم المركز العلمي للنّظر المقاصدي في القضايا المعاصرة يوم السبت 09 يناير 2021م على الساعة السابعة مساء، محاضرة علمية مقاصدية قدّمها فضيلة الدّكتور نور الدّين قراط أستاذ مقاصد الشريعة بجامعة محمّد الأول بوجدة (المغرب)، عبر تقنية التّحاضر عن بعد (تطبيق الزّووم) والبثّ المباشر على صفحة المركز عبر الفيسبوك. والتي حضرها أكثر من مائتي باحث وباحثة من عدّة أقطار.

         وقد انطلقت المحاضرة كما كان مبرمجا على الساعة السابعة مساء من تقديم مسيّرها الدّكتور ربيع حمّو، والذي استهلّها بالتّرحيب بالحضور الكريم وبالدّكتور المحاضر نور الدين قراط مثَنّيًا على التّعريف بشخصه الكريم، ومن جملة ما أورده في سيرته العلمية:

         أنّ الدّكتور نور الدّين قراط حافظ لكتاب الله تعالى، يشغل عدّة وظائف علمية منها أستاذ التّعليم العالي لمادة الفقه وأصوله بجامعة محمّد الأول بكلية الآداب بوجدة، ومنسّق ماستر فقه المهجر أصوله، قضاياه وتطبيقاته المعاصرة، مدير لمختبر الدّراسات المقاصدية وقضايا الاجتهاد والتّجديد، عضو بعدّة مختبرات ولجان علمية منها اللّجنة المالية الإسلامية والتّجربة المغربية، ومشرف على عدّة مشاريع علمية، كما له مجموعة من الأعمال منها: “كتاب مقاصد الشريعة وأثرها في الاجتهاد الفقهي المعاصر، التّعايش الإنساني في التّصور الإسلامي، مقاصد الشريعة وعلاقتها بأدلّة الأحكام، أولويات الأسرة المسلمة في الغرب، اعتبار المآل وتطبيقاته المالية المعاصرة”، وغيرها من الأبحاث والمشاركات العلمية.

         ثمّ أعرب المسيّر – الدّكتور ربيع حمّو- عن سعادته والحاضرين باستضافة الدّكتور الفاضل ليفصّل القول في موضوع بالغ الأهمّية في جانب المعاملات والنّوازل المالية المعاصرة موسوم بعنوان “معالم وضوابط إعمال المقاصد في النّوازل المالية”.

         ليختم التّقدمة سائلا الله تعالى أن يبارك في الدّكتور المحاضر وينفع بعلمه, مذكّرا الحاضرين بأنّ مجال استقبال التّساؤلات والمشاركات سيكون متاحا في آخر الجلسة، ثمّ أحال الكلمة للدّكتور نور الدّين قراط.

         استهلّ الدّكتور نور الدين قراط كلمته بعد البسملة والحمدلة, بتقديم الشّكر الخالص للمركز العلمي وللأعضاء القائمين عليه، منبّها على أهميّة الحوار والنّقاش العلمي بعد الأرضية التي سيقوم بعرضها في الجلسة.

         وقد افتتح مداخلته ببيان أنّه ما من مجتهدٍ أو متعامل مع النّص الشرعي إلّا وله مرور بمجموعة من المراحل، مشيرا إلى أنّ الإمام الشّاطبي وغيره قد أجملوا تلكم المراحل في اثنين:

1/ مرحلة التّعامل مع النّص من حيث الفهم واستنباط الأحكام والعلم بأبعادها سواء كانت جزئية أو كليّة، وهو ما يصطلح عليها بالاجتهاد البياني في الشريعة الإسلامية، وهذه المرحلة دُوِّنت فيها الآلاف من المؤلّفات.

2/ مرحلة التّنزيل أو ما يصطلح عليها بفقه التّنزيل أو الاجتهاد التّنزيلي, وهذه المرحلة لا يُقدم عليها إلّا من كان متمكّنا في علوم الشّريعة أصولا وفروعا.

         ليُلفت المحاضر النّظر إلى أنّ أحكام الشّريعة إنّما سيقت كما يقول الإمام الجويني رحمه الله لأجل جلب المنافع ودفع المفاسد، وهو ما دلّ عليه القرآن الكريم في معرض الحديث عن نبوّة محمّد عليه الصلاة والسلام “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالمِينَ”.

         مُشيرا إلى أنّ فقهاء الشريعة قد نبّهوا على اعتماد كلّيات الشريعة وقواعدها العامّة مرجعا للاستدلال ومن ذلك القياس والاستحسان والمصالح والعرف، تحقيقا لمقاصد الشريعة وفهما لأحكامها، وأنّ جلّ نصوصها تشير إلى الشمولية والعالمية والاستغراق زمانا ومكانا، خاصة بالنّظر إلى تطوّرات الواقع المعاصر في مختلف مجالاته وخاصة المجال المالي الاقتصادي الذي يمثّل عمود الحياة الإنسانية, وهذا ما يستلزم كما بيّن الدّكتور الأخذ بمقاصد الشريعة في الفتاوى والأحكام, لتحقيق صلاحيتها لكلّ زمان ومكان.

         كما أكدّ على مسيس الحاجة إلى النّظر المقاصدي أو “الفقه الحيّ” كما وصفه الإمام ابن القيّم رحمه الله, وأنّ البحث في مجال الفتوى والنوازل المالية المعاصرة في ضوء مقاصد الشريعة بحاجة إلى مزيد ضبط لأسباب منها:

1/ كون مباحث المقاصد ليست مباحثا عادية بحيث يمكن لأي شخص الحديث فيها, بل لن يبلغها إلّا من كان متمكّنا من علوم الشّرع.

2/ كون بعض التيّارات الفكرية التي لها مواقف مناقضة للإسلام تستغل مباحث المقاصد لأغراض أخرى.

3/ كون هذه الضوابط تعدّ بمثابة الجدار الحامي للعمليات الاجتهادية.

         ثمّ عرّج على بيان تلكم الضوابط لإعمال النّظر المقاصدي في النّص الشرعي, مبيّنا لها على النّحو الآتي مع التّمثيل لكلّ ضابط:

         الضابط الأول: التّعامل مع النّص الشرعي فهما واستنباطا في ضوء مقاصده الشرعية، مع عدم اعتبار المقاصد الشرعية أدلة جزئية مستقلة يستدل بها وإنّما يستعان بها عند الفهم وفي التّرجيح عند التّزاحم والتّعارض، لهذا لابّد لمن رام الاجتهاد في النوازل المالية عموما أن يطيل النّظر والتّأمل قبل الإثبات أو النّفي وإلّا زلّ وأخطأ. ومن مُثل ذلك مسألة التّضخم التي تكلّم فيها الفقهاء عند حديثهم عن مسألة الديون ومؤخّر الصداق وفي البنوك التشاركية، فلابدّ من إعمال الأدّلة مع استحضار الضوابط لبيان الحكم هنا.

         الضابط الثاني: ضرورة التّوفيق بين الكلّي والجزئي، وهو ما سمّاه الإمام الشاطبي بإعمال الجزئيات مع اعتبار الكليات، والكليّ في المقاصد يقصد به الكليات الشرعية الخمس المعروفة بما فيها الضروريات والحاجيات والتّحسينيات، والجزئيات هي الأدّلة الخاصة قرآنا وسنة وإجماعا وقياسا…، فهناك علاقة تلازم وتكامل بين الجزئيات والكليات, ومن الأمثلة التي تحدّث عنها العلماء في هذا السّياق مسألتي العرايا والتّورق، فهي تحتاج إلى إعمال هذا الضابط لبيان أحكامها.

         الضابط الثالث: محاولة الجمع بين الاجتهاد الفردي والجماعي, لانعدام العالِم الموسوعي الذي كان قديما، كون الواقع اليوم تطوّر وتشعّبت أحداثه وتعدّدت تخصّصاته، والأفضل في المعاملات المالية أن تكون تحت غطاء جماعي، ومن الأمثلة عقود التأمين والمضاربة والبورصة وغيرها.

         الضابط الرابع: مراعاة القواعد المالية التي تعتبر الفيصل والحاكم في جلّ المعاملات المالية، ومنها قاعدة الخراج بالضّمان، وقاعدة الغنم بالغرم التي لا يمكن الاستغناء عنها في الاجتهاد المالي المعاصر لأهمّيتها في المعاملات المصرفية كما في مسألة العارية.

         الضابط الخامس: الرّبط بين المعاملات المالية وبين الجانب السلوكي الأخلاقي والمثل الإنسانية، لأنّ الشريعة جزء لا يتجزّأ، إذ نجد الجانب الأخلاقي حاضر فيها وخاصة في جانب المعاملات المالية، نحو قوله تعالى: “إِنّهُ لَا يُحِبُّ المُسْرِفِين” وقوله “وَيْلٌ لِلمُطَفِّفِين”.

         الضابط السادس: الموازنة في النّوازل المالية بين ما هو دنيوي وما هو أخروي، وعدم تغليب أحدهما على الآخر، ومن أدلّة ذلك قوله عليه الصلاة والسلام “لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى”.

         الضابط السابع: استحضار مبدأ مراعاة المآلات، كون المآل مرتبط بفلسفة التّشريع الإسلامي ومُتحرّك في إطار المصالح والمفاسد حال التّزاحم والتّعارض، وقد ذكره الإمام الشاطبي وحصره في ثلاث: (التكاليف مشروعة لمصالح العباد- مآلات الأعمال معتبرة- الأدلّة الشرعية والاستقراء التّام)، وللمآل قواعد كسدّ الذرائع والاستحسان والحيل…، ومن مُثل ذلك في الجانب المالي الحساب بالاطّلاع أو الحساب الجاري.

         الضابط الثامن: مراعاة البعد الإنساني فالجانب الاقتصادي مرتبط بالمسلمين وغيرهم، فلا بدّ أن يُراعى واقع الأمة وواقع الاقتصاد العالمي، كما في فقه المعاوضات والتّبرّعات حيث ترتبط بالإنسان بصفة عامّة، لذلك يُراعى هذا البعد القائم على مبدأ الرّحمة والمحبّة والعدل والتّيسير…، ومن أمثلة هذا المجال بيع المضطر.

         الضابط التّاسع: نبذ التّقليد والتّعصّب المذهبي والأخذ بالفقه الموسّع، كالانفتاح على المذاهب الأربعة والسّبعة وهذا هو توجّه الفقهاء المجتهدين في النّوازل المالية الآن، ومن أمثلة ذلك مسألة المضاربة والوعد الملزم وغير الملزم…

         الضابط العاشر: إدراك الواقع المعيش المعقّد زمانا ومكانا وأعرافا وعوائدا، إذ لابّد من مراعاته وهو ما يُسمّى بفقه التّنزيل.

         ليختم الدّكتور بهذا الضابط العاشر محاضرته، وتُحال الكلمة إلى مسيّر الجلسة الدّكتور ربيع حمّو والذي ذكّر بالضوابط السّابقة اختصارا، ليُفتح المجال في الأخير لاستقبال عدّة مداخلات وتساؤلات من الحضور، مجيبًا عليها الدّكتور نور الدّين قراط حفظه الله إجابات وافية.

         ثمّ كان ختام المجلس العلمي الماتع كلمةٌ تقدّم بها رئيس المركز العلمي الدّكتور رفيع محماد, أثنى فيها على الدّكتور نور الدّين قراط وعلى ما قدّمه خلال محاضرته؛ جامعا الثناء في مقولة معبّرة “وهذا رجلٌ تأخّرَ بهِ الزمنُ نحسبه كذلك ولا نزّكي على الله أحدًا”، لتُحال الكلمة في نهاية المجلس لمسيّر الجلسة الدكتور ربيع حمّو ليُعلن عن صدور استكتاب جماعي بعنوان “النّظر المقاصدي من التّأصيل إلى التّفعيل” مرحّبًا بمشاركات جميع الباحثين والباحثات.

 

والحمد لله ربّ العالمين

 وكتبته الباحثة: مختارية الحبيب بوعلي

يوم 10 يناير 2021م الساعة 00:30 ليلا، بالجزائر

1 تعليق

مواضيع ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

1 التعليق

  • عبد الله نوري
    10/01/2021, 10:47 ص

    بارك الله في المركز على تنظيمهم لمثل هذه الندوات بالغة الأهمية، لشدة حاجة الأمة إليها.
    وبورك في صاحبة التقرير الأستاذة مختارية على هذا التفصيل والترتيب والتنسيق، حتى أن من يقرأ التقرير يستذكر به جميع ما ألقي في محاضرة الدكتور نور الدين حفظه الله ونفعنا بعلمه.
    جزاكم الله عنا خير الجزاء.

    الرد