المقاصد الشرعية للوقف الإسلامي تأصيلاً وتطبيقا

المقاصد الشرعية للوقف الإسلامي تأصيلاً وتطبيقا

المقاصد الشرعية للوقف الإسلامي تأصيلاً وتطبيقا

الدكتور محماد بن محمد رفيع – رئيس المركز العلمي للنظر المقاصدي في القضايا المعاصرة

مقدمة:

         يعد نظام الوقف في النظام المالي الإسلامي نظاما ماليا نوعيا واجتماعيا مستقلا، أسهم عبر التاريخ الإسلامي بقوة في التنمية الاجتماعية وفي البناء الحضاري العام، وما زالت مؤسسات الوقف في مختلف بلدان المسلمين صامدة تواصل وظيفتها التنموية، لكن على نحو غير ملائم يحتاج إلى مراجعة وتجديد.

         ولعل ما تعانيه الأمة الآن من إحباطات على مستوى التنمية البشرية والاقتصادية، يستدعي أكثر من ذي قبل مراجعة نظام الوقف الإسلامي، وإعادة بنائه على أسسه المقاصدية، حتى يستعيد حيويته ويستأنف وظيفته الحضارية في المجتمع، فيلبي حاجيات الأمة الآنية، ومتطلباتها المستقبلية.

         وتأسيسا على ما سبق، فإني أروم من خلال هذا الموضوع مقاربة نظام الوقف من زاوية مقاصدية، على مستويين:

المستوى النظري: يتم فيه جرد وتحليل المقاصد العامة للشريعة في صلتها بنظام الوقف الإسلامي،  وتفصيل القول في حاجة الاجتهاد في الوقف إلى النظر المقاصدي، مع استعراض وتحليل مختلف مستويات مقاصد الوقف وبيان مطالبه وضوايط تجديده.

المستوى التطبيقي: ترصد فيه نماذج من القضايا المجتمعية التنموية التي يمكن أن يحتضنها الوقف وفق مقاصده الأصلية والتبعية، كالمسألة التعليمية، وقضية البحث العلمي، وغيرهما.

         ومقصدي من هذا البحث أن أسهم في تجديد نظام الوقف الإسلامي، من خلال ربط وظائف الوقف المتعددة والمتجددة بمقاصده المعيارية الثابتة، لنضمن بذلك تطوير صور الوقف وتجديد وظائفه، دون أن يخرج عن أصالته.

         ومن أجل مقاربة الموضوع في تفاصيله ارتأيت أن أنظم جزئياته في المحاور التالية:

تمهيد: تحديد المفاهيم المؤسسة للموضوع

 إن من تمام الوضوح المنهجي، ومستلزمات التواصل المعرفي، توخي مسلك الوضوح في المفاهيم الوظيفية الحاملة للمعارف المراد تقديمها، والتواصل على أساسها، لذلك ألزمت نفسي تصدير هذه المداخلة بتوضيح معرفي للمفاهيم المؤطرة للموضوع، ومنها:

الوقف:

        الوقف في المعاجم اللغوية لا يخرج إجمالا عن معنى الحبس عن التصرف مطلقا، وحبس الشيء وقفه، فلا يباع ولا يورث، وإنما تملك غلته ومنفعته[1].

        ومن الناحية الفقهية، فقد اختلف الفقهاء في تعريف الوقف بناء على اختلافهم في بعض أحكامه كاللزوم والتأبيد واشتراط القربة من عدمها.

        فالحنفية يعرفون الوقف بأنه ” حبس العين على ملك الواقف والتصدق بمنفعتها، أو صرف منفعتها على من أحب”[2]، فهم يرون عدم لزوم الوقف لبقائه في ملك الواقف قياسا على العارية بينما المالكية يقولون على لسان ابن عرفة: ” إعطاء منفعة شيء مدة وجوده لا زما بقاؤه في ملك معطيه ولو تقديرا”[3]، ويقول الباجي: ” معنى التحبيس أن تكون المنافع محبوسة على وجوه نص عليها، أو أخر تعيينها”[4].

        أما جماع تعريفات الشافعيةع فهو: ” حبس ما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه على مصرف مباح “[5]، ومعنى ذلك خروج العين الموقوفة من ملك الواقف إلى ملك الله تعالى على وجه يحقق النفع للعباد[6]، وأوجز الحنابلة تعريفهم في قولهم: ” تحبيس الأصل وتسبيل التمرة”[7].

        وبناء على ما سبق يمكن أن نقرر بأن الوقف لا يخرج عن معنى حبس ما فيه منفعة من أعيان المال عن أي تصرف مفوت للملكية، وتسبيل منفعتها لوجه من أوجه البر.

مقاصد الشريعة:

         تشير المعاجم اللغوية[8] إلى أن لفظة “المقاصد” جمع مقصد تتسع دلالتها لتشمل معاني عدة منها:

أ- استقامة الطريق: لقوله تعالى: ” وعلى الله قصد السبيل” [9]، أي على الله تبيين الطريق المستقيم والدعاء إليه بالحجج والبراهين الواضحة. ومنها جائر أي ومنها طريق غير قاصد.

ب– العدل: ففي الحديث: “القصد القصد تبلغوا”[10]، أي عليكم بالقصد من الأمور في القول والفعل، وهو الوسط بين الطرفين.

ج- الوجهة: قصده يقصده قصدا وقصد له وأقصدني إليه الأمر، وهو قصدك و قصدك أي تجاهك.

أما تعريف المقاصد من الناحية الاصطلاحية فلا نكاد نجد له أثرا في كتب التراث، سوى ما يرد ضمنا في تعريف المصلحة كقول الغزالي:” المصلحة المحافظة على مقصود الشارع، ومقصود الشارع من الخلق خمسة أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم وما لهم”[11]، والشاطبي الذي تكلم كثيرا عن المقاصد لم يرد عنه تعريف لها، وإنما اكتفى بالقول: “إن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معًا”[12]. وقال في موضع آخر “المقصد الشرعي من وضع الشريعة إخراج المكلف عن داعية هواه، حتى يكون عبدًا لله اختيارًا، كما هو عبد لله اضطرارًا”[13].

أما محمد الطاهر بن عاشور فيعرف المقاصد بقوله:” مقاصد التشريع العامة هي: المعاني والحكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها بحيث لا تختص ملاحظتها بالكون في نوع خاص من أحكام الشريعة”[14]، بينما علال الفاسي يقول في تعريفها: “المقصد العام للشريعة الإسلامية هو عمارة الأرض، وحفظ نظام التعايش فيها، واستمرار صلاحها بصلاح المستخلفين فيها، وقيامهم بما كلفوا به من عدل واستقامة، ومن إصلاح في العقل وفي العمل، وإصلاح في الأرض واستنباط لخيراتها وتدبير لمنافع الجميع”[15].

ومن المعاصرين نجد عبد المجيد النجار يوجز التعريف بقوله: “إن للشريعة الإسلامية مقصدًا كليـًا عامًا هو تحقيق مصلحة الإنسان وخيره “[16].

أقسام المقاصد:

         من أقسام مقاصد الشريعة التي تأسس عليها البحث ما يلي:

المقاصد العامة: وهي الغايات الكبرى التي وضعت الشريعة لأجل تحقيقها لمصلحة العباد، والكليات التي تندرج تحتها مختلف أحكام الشريعة، وهي المقصودة بالتعريفات السابقة.

المقاصد الخاصة: ونقصد بها المقاصد التي تختص بأنواع المعاملات بين الناس[17] كالبيع والنكاح والوقف وغيرها، وهي ” الكيفيات المقصودة للشارع لتحقيق مقاصد الناس النافعة، أو لحفظ مصالحهم العامة في تصرفاتهم الخاصة”[18].

المقاصد الأصلية: وهي التي عرفها الشاطبي بقوله: ” فأما المقاصد الأصلية فهي التي لا حظ فيها للمكلف، وهي الضروريات المعتبرة في كل ملة”[19].

 المقاصد التبعية: وقد عرفها الشاطبي حين قال: ” وأما المقاصد التابعة فهي التي روعي فيها حظ المكلف، فمن جهتها يحصل له مقتضى ما جبل عليه من نيل الشهوات والاستمتاع بالمباحات، وسد الخلات”[20].

المحور الأول: حاجة الاجتهاد في الوقف إلى النظر المقاصدي

إن النظر في الشريعة من مدخل مقاصدها لترتيب كلياتها وبيان ما يندرج تحتها من جزئيات شرط منهجي أساس في التجديد العلمي لقضايا واقع الأمة،  لأن النظر المقاصدي ضابط توجيهي للحركة الاجتهادية، وعليه فإن مطلب الاجتهاد في الوقف، وتجديد النظر في قضاياه يتوقف على استلهام الرؤية المقاصدية، التي تفتح للاجتهاد آفاق البحث عن الوسائل المتنوعة في حفظ المقاصد في الزمان والمكان، وتمنحه معيار تمييز الضار من النافع، والحقيقي من المتوهم، وإلا كان اجتهادا بلا قبلة وسيرا دون اتجاه.

         وقد كان الغزالي يميز بين العالم ومن دونه بمعيار المقاصد، فكان يوصي الباحث المجتهد في القضايا الفقهية بأن ” يكون شديد البحث عن أسرار الأعمال والأقوال، فإنه إن اكتفي بحفظ ما يقال، كان وعاء للعلم ولا يكون عالما، ولذلك كان يقال: فلان من أوعية العلم، فلا يسمى عالما إذا كان شانه الحفظ من غير اطلاع على الحكم والأسرار “[21].

         وإذا كان مدار البحث العلمي في الوقف الإسلامي على رصد أوجه المصلحة الاقتصادية، والاجتماعية والتعليمية وغيرها، وتحديد أولوياتها، وبيان سبل الترجيح بينها عند التعارض والترتيب عند التزاحم، فإن الدراية بمقاصد الشريعة شرط لا زم للباحث في نظام الوقف الإسلامي، وإن كانت لا تلزمه شروط الاجتهاد الأخرى[22]،قال ابن تيمية: ” من فهم حكمة الشارع كان هو الفقيه حقا “[23].

     والبحث في سبل تطوير نظام الوقف الإسلامي على ضوء مستجدات العصر يحتاج إلى ضبطه بالمقاصد، وقد أكد علال الفاسي مصدرية مقاصد الشريعة في مستجدات القضايا التشريعية، فقال: ” مقاصد الشريعة هي المرجع الأبدي لاستقاء ما يتوقف عليه التشريع والقضاء في الفقه الإسلامي وأنها ليست مصدرا خارجيا عن الشرع الإسلامي، ولكنها من صميمه، وليست غامضة غموض القانون الطبيعي الذي لا يعرف له حد ولا مورد، ولكنها ذات معالم وصوى كصوى الطريق “[24].

أولا: بناء الاجتهاد في الوقف الإسلامي على المنهج المقاصدي:

         إن المنهج المقاصدي منهج علمي منظم ومرتب ومنسق ومتكامل، لأنه مؤسس على مقاصد الشريعة التي تعلم منها أن لكل ما خلقه الله وشرعه مقصدا أو مقاصد، والواجب إدراك هذه المقاصد والعمل على وفقها، لذلك فهو منهج ينطلق في عمله أولا من تحديد المقصد وإثبات مشروعيته وبيان أولويته وجدواه، قبل الدخول في تفاصيل قضايا الموضوع[25].

         كما انه منهج يتسم ضرورة بالنظرة الشمولية المتكاملة ينطلق منها ويهتدي بها في اجتهاداته فلا يبقى مفتوحا على الاحتمالات والتخمينات، يقول أستاذنا الريسوني في بيان القيمة المنهجية للفكر المقاصدي: ” فالمقاصد بأسسها ومراميها، وبكلياتها مع جزئياتها، وبأقسامها ومراتبها، وبمسالكها ووسائلها، تشكل منهجا متميزا للفكر والنظر، والتحليل والتقويم والاستنتاج والتركيب “[26].

     فحاجة الاجتهاد عموما والاجتهاد في تدبير الوقف الإسلامي خصوصا إلى اكتساب خصائص هذا المنهج المقاصدي والتشبع برؤيته الكلية القائمة على الاستقراء والتركيب  والترتيب شديدة وملحة، خصوصا إذا علمنا أن التحديات التي تواجه نظام الوقف الإسلامي، وما يعترض ويستجد في طريقه من قضايا معقدة ومتشابكة تتداخل فيها الجوانب المالية والاجتماعية والسياسية والعوامل المحلية والإقليمية والدولية، لا ينفع في تحليلها وتقويمها ومعالجتها إلا اعتماد المنهج المقاصدي الذي ينطلق من استقراء الجزئيات لبناء الكليات، ويعتمد منطق الموازنة والترجيح والترتيب بين المصالح الكبرى والصغرى، وبين كبرى المفاسد وصغرياتها، ثم بين المصالح والمفاسد.

ثانيا: النظر إلى الوقف الإسلامي من زاوية ثنائية القصد الأصلي والقصد التبعي

 إن بناء الاجتهاد في الوقف على ثنائية القصد الأصلي والقصد التبعي ضمانة منهجية وشرعية لضبط حركية المشاريع الوقفية واستثماراتها المالية في اتجاه خدمة القصدين دون سواهما، وذلك في عالم كله سوق والمنافسة الجنونية قانونه، كما تسعف هذه الثنائية المقاصدية نظام الوقف هنا ليصدر عن معيارية واضحة في تقويمه لأنشطته التنموية ومراجعته لمسيرة نظام الوقف، وتكسبه تبعا وضوح الرؤية المستقبلية والقدرة على التخطيط والتنظير الاستراتيجيين لقضايا الشأن الوقفي.

        وتأسيسا على ما سبق، نقترح أن يهيكل منهج البحث في تدبير نظام الوقف الإسلامي، وخصوصا في وظائفه التحليلية والتقويمية والتنظيرية لوظائف الوقف واستثماراته وفق المقاصد الكلية التالية من جهتين:

 جهة قصد الواقف:

        لا شك أن عمل الواقف يحكمه قصدان احدهما أصلي والتاني تبعي:

إذا عرف الشاطبي القصد الأصلي بما لا حظ فيه للمكلف، والتبعي بما روعي فيه الحظ شرط أن يكون خادما للأصلي ومكملا له [27]، فإن القصد الأصلي للواقف بوقف أمواله هو ابتغاء وجه الله تعالى ورضاه، فيحقق بذلك مقصد إعمار الآخرة، مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له “[28].

     ويتوقف القصد الأصلي على سلامته من حظ النفس، وإخلاص الوجهة لله دون سواه، وهذا الذي يسمى بالوقف الخيري الذي يقصد به المصلحة العامة أو الخاصة التي لا حظ للنفس فيها.

         والقصد التبعي للواقف هو ما يوافق القصد الأصلي ولا ينافيه، وهو أن يقصد بوقفه مصلحة أهله وأقاربه وأرحامه، مصداقا لقوله تعالى: ” وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله “[29]، لأن الإنسان فطر على الإنفاق على محبوبه، وهي نفسه وأهله، فجاء الشرع بما يحافظ ويوجه هذا التوجه الفطري، لما فيه من معاني التحاب والتواصل والتعاضد العائلي المقصودة شرعا، فقد رتب النبي صلى الله عليه وسلم إنفاق المال على أساس هذا المبدأ الفطري، فقال: ” ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل شيء عن أهلك فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا “[30] ، وهذا هو النوع الثاني للوقف المسمى الوقف الذري أو الأهلي.

 جهة قصد الشارع:

         نجمل مقاصد الشارع الأصلية والتبعية التي تنتظم الوقف فيما يلي:

1-  القصد الأصلي من خلق الكون أن يكون ظرفا حياتيا لوجود الخلق من الجن والإنس، لذلك  هيأ الله فيه أسباب الحياة ومهد ما فيه للإنسان على قاعدة التسخير،كما أخبر الحق سبحانه في قوله تعالى: ” وسخر لكم ما في السموات وما ما في الارض جميعا منه “[31] وقوله عز من قائل: ” وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الانهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه “[32].

      والمشاريع الوقفية العامة التي تجري في هذا الفضاء المسخر ينبغي أن تتوافق مع هذا القصد الكبير حتى لا تنفلت حركية استثماراتها الاقتصادية في اتجاهات الإخلال بالتوازنات الكونية والبيئية وغيرها، كما يحدث الآن في واقع اقتصاديات الغرب.

2-  القصد الأصلي من خلق الإنسان العبودية لله وحده مصداقا لقوله تعالى: ” وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون “[33]، فالإنسان من هذه الزاوية المقاصدية درة الوجود، وحوله يدور، وهو عروسه ومعناه ومغزاه، ما خلق ليكون عجلة من عجلات الاقتصاد، ولا عاملا من عوامل الإنتاج ولا دابة تأكل وتتمتع بلا هدف[34].

   وعبودية الإنسان لا تتحقق إلا بشرط الحرية: حرية في اختيار الدين، وحرية الرأي، وحرية في اكتساب المعاش، لأنه إن استعبد وضيق عليه في معاشه فقد سائر حرياته، وإن عاش طفيليا على المجتمع بالكسب الحرام من ظلم وابتزاز وغش وكسل ودروشة خان قانون العبودية[35].

      والاجتهاد في معالجة قضايا الوقف الإسلامي عليه أن يستبطن هذه الخلفية الفلسفية المقاصدية حتى يتمكن من توجيه المشاريع الوقفية إلى تلبية الحاجيات المعاشية والإيمانية الدنيوية والأخروية معا، بدل أن تنحصر في إنتاج الحاجيات المادية.

3-  المقصد الأصلي من المال يتمثل في تأمين بقاء حياة الإنسان في حده الأدنى، أما الوسيلة لتحقيق هذا المقصد فتنحصر في توظيف القضية المالية والحركة الاقتصادية لتلبية الحاجات الضرورية لحياة الإنسان على سبيل الوجوب الشرعي، ومعلوم أن الأوقاف تتميز بالقدرة المالية على تلبية كثير من الحاجيات الإنسانية في مختلف المجالات.

      أما المقصد التبعي الكلي للمال فيمكن إجماله في توفير وتلبية حاجيات الكفاية للإنسان، وذلك لتأمين قدرته على الإعمار ضمن إطار العبودية العامة، كما يلحق بالمقاصد التبعية تلبية الحاجات الكمالية والتحسينية للحياة الإنسان، غير أنها أدنى درجة من حاجات الكفاية.

     أما الرغبات الترفية فليست من المقاصد التبعية للمال، لأنها لا تعبر عن الحاجات الحقيقية لفطرة الإنسان، وإنما هو سلوك اجتماعي سلبي يقود حين يعم إلى الانحلال التاريخي كما هو مقرر في علم الاجتماع البشري، لذلك تكررت في القرآن الكريم إدانة الترف وأهله، فقد اعتبر الحق سبحانه الترف سببا من أسباب دمار المجتمعات في قوله تعالى: ” وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا “[36]، كما اعتبره من أسباب ورود جهنم في قوله تعالى: ” وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال في سموم وحميم وظل من يحموم لابارد ولا كريم إنهم كانوا قبل ذلك مترفين “[37].

      وحين يستند تدبير الوقف إلى هذا النظر المقاصدي، تعمل المشاريع الوقفية أساسا على إشباع حاجيات الكفاية، مما يترتب عنه نتائج اقتصادية واجتماعية وتعليمية نوعية، منها الإسهام في صرف النمو الاقتصادي عن تلبية الرغبات الترفية وحصره فيما يشبع الحاجيات الأساسية للمجتمع وأهله، وزيادة القدرة الإشباعية للناتج القومي، وهذا ما يؤسس لتنمية حقيقية في المجتمع انطلاقا من القضاء على الفقر والبطالة.

     فحين تدار أموال الوقف ضمن سياج ثنائية القصد الأصلي والتبعي، وفي سياق القصدين الكبيرين من خلق الكون والإنسان، يكون نظام الوقف وسيلة لإنتاج مادة الحياة، ومدخلا لإعمار الدنيا والآخرة.

المحور الثاني: الوقف بين مقاصد الشريعة ومطالب التجديد

يمكن معالجة موضوع مقاصد الشريعة في الوقف ومطالب تجديد قضاياه من خلال المباحث التالية:

أولا: صلة الوقف بمقاصد الشريعة العامة:

لما كان قصد الشارع من إنزال شريعته حفظ مصالح خلقه في العاجل والآجل، جعل مدار هذه الشريعة على الحكم والمصالح كما ذكر ابن القيم[38]، فكان المسلك لتلك المصالح لزوم المقاصد في التصرفات الخاصة والعامة، بناء على أن مقاصد الشارع ضوابط مسددة للفعل الإنساني عموما وللعمل الاجتهادي خصوصا، ونظام الوقف الإسلامي واجهة حيوية من واجهات العمل  الاقتصادي الإسلامي في المنظومة الحضارية الإسلامية، وعليه يمكن أن نقرر أن ارتباط نظام الوقف الإسلامي بمقاصد الشريعة ارتباط الجزئي بكليه والفرع بأصله والمسألة بقاعدتها، يبرز ذلك من خلال القضايا التالية:

  • الوقف الإسلامي وسيلة لتحقيق مقصد الإعمار في الأرض:

فالوقف الإسلامي بما هو موضوع البحث العلمي الآن إنما يشكل وجها من أوجه النشاط الإنساني الذي به يتحقق مقصد الإعمار في الأرض بمقتضى قوله تعالى: ” هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها “[39]، ذلك أن مفهوم عمارة الأرض لا يمكن أن نحصره في جانب من جوانب الأنشطة الإنسانية، وإنما هو مفهوم يشمل كافة تلك الأنشطة في الحياة ابتداء من الدعوة للدين، ومحاربة الاستضعاف، ونشر العدل، وإشاعة الأمن والسلام، وانتهاء بعمارة الأرض بمعناه المادي ممثلا في النشاط الاجتماعي الاقتصادي والتعليمي، وغيرها من أوجه وظائف الوقف الإسلامي.

     وعمارة الأرض تقتضي المال وإلا تعطلت قوى الإنسان، لأنه غير  فارغ البال، قال العز بن عبد السلام: ” الإنسان مكلف بعبادة الديان بإكساب في القلوب والحواس والأركان مادامت حياته، ولم تتم حياته إلا بدفع ضروراته وحاجاته من المآكل والمشارب والملابس والمناكح وغير ذلك من المنافع، ولم يتأت ذلك إلا بإباحة التصرفات الدافعة للضرورات والحاجات “[40].

     ومعلوم أن عمارة الأرض- بما هي إقامة مصالح الناس في الأرض ونفي المفاسد عنهم- هو المقصود من استخلاف الإنسان في الأرض[41] وفق مقتضى الجعل الإلهي في قوله سبحانه: ” إني جاعل في الأرض خليفة “[42].

  • الوقف الإسلامي وسيلة لتحقيق مقصد الإعمار في الآخرة:

علمتنا الشريعة في مختلف أبوابها وتفاصيل خطابها أن الآخرة هي دار القرار، والدنيا دار زوال، وأن الإنسان خلق ليبقى في دار البفاء بعد انتقاله من دار الفناء، قال سبحانه على لسان مومن آل فرعون: ” إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار “[43].

لذلك كان مدار الخطاب الشرعي للإنسان أن يكون معاشه لمعاده، ويتخذ حاله في الدنيا لتأمين مآله في الآخرة، لأن الله قرر ” وللآخرة خير لك من الاولى “[44]، وأن ” وما عند الله خير وأبقى “[45].

وفي هذا السياق رغب الشارع الحكيم في إنفاق الأموال في الدنيا من أجل الآخرة، فكان من أفضل الصدقات وأجل الأعمال في عمارة الآخرة صدقة الوقف، لأن أصولها وأعيانها ثابتة لا تباع ولا تبتاع ولا توهب ولا تورث، ونفعها وثمارها وخيراتها تستفيد منه الأمة جيلا بعد حيل، فتكون بذلك عملا صالحا مستمرا لا ينقطع وموردا ثابتا ودائما يدر على صاحبه ما يبني به آخرته من الآجر والثواب في الحياة وبعد الممات.

فخصوصية الديمومة للوقف في حصد الثواب جعلت منه أفضل القروض الحسنة التي ندبنا إليها الحق سبحانه في مواطن عدة من كتابه، منها قوله سبحانه: ” إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم “[46]، وقوله سبحانه: ” من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة “[47].

وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أهمية الوقف في عمارة الآخرة من خلال نموذجين بسيطين، حين قال صلى الله عليه وسلم: ” من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا واحتسابا، فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة حسنات”[48]، وقال: ” من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة”[49]

وحرصا منه صلى الله عليه وسلم على أمته في أن تعمر آخرتها، حض صلى الله عليه وسلم على نماذج أوقاف يضمن بها المسلم عمارة آخرته، فقال عليه الصلاة والسلام: ” إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علمه ونشره وولدا صالحا تركه ومصحفا ورثه أو مسجدا بناه أو بيتا لابن السبيل بناه أو نهرا أجراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته “[50].

فأبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه لما بادر بوقف أحب أمواله إليه وهي بيرحاء[51]، حين نزل قوله تعالى: ” لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون “[52] ، لم يكن همه ولا حافزه سوى عمارة آخرته، لذلك قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ” صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله “[53].

  • الوقف الإسلامي وسيلة لتحقيق مقصد حفظ المال:

        إن الأوقاف الإسلامية من حيث هي قيمة مالية بامتياز، مندرجة ضمن أقوى مراتب مقاصد الشريعة، ذلك أن أهل المقاصد وضعوا المسألة المالية – بناء على استقراء الشريعة – ضمن مقاصدها الضرورية وهي حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، قال الغزالي: ” إن مقصود الشرع من الخلق خمسة وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم “[54].

        هكذا تنزرع القضية المالية – والوقف جزء منها – في صميم الكليات الكبرى للشريعة، كما تنزرع في فروعها وجزئياتها، وذلك اعتبارا للوظيفة الحيوية للمسألة المالية في الأمة، فجاءت الأحكام الشرعية بمجموع مراتبها وأنواعها في موضوع المال لتحفظه من جانب الوجود ومن جانب العدم، وذلك بضبط النشاط المالي كسبا وإدارة وإنفاقا.

فالشرع الحكيم وجه الإنسان بفطرته أولا ثم بشرعته ثانيا للسعي في كسب المال فقال سبحانه: ” فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله “[55]، وقال عز من قائل: ” وأحل الله البيع وحرم الربا “[56]، وهذا السعي لا يعتبر شرعا إلا إذا كان في دائرة الحلال الطيب بعيدا عن مستنقع الحرام الخبيث من خمر وقمار وربا وفسق ورشوة وسرقة وغيرها، لأنها صور للتملك المزيف المنافي للعدالة الاجتماعية والمصلحة الاقتصادية، فقد كان عمر رضي الله عنه يطوف بالسوق ويضرب الناس بالدرة يعلمهم علم الكسب، ويقول: ” لا يبع في سوقنا إلا من يفقه وإلا أكل الربا شاء أم أبى “[57].

     أما إنفاق المال واستهلاكه فمطلوب شرعي وفطري، غير أنه محكوم بسد واجب الكفاية مع الإفاضة على العباد من فضول الرزق إحياء لوظيفة المال الاجتماعية الممثلة في التكافل الاجتماعي أما الإنفاق الزائد عن الحد اللازم لإشباع الحاجة فيدخل في مسمى الإسراف والتبذير الموصوف قرآنيا بالسلوك الشيطاني في قوله تعالى: ” إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين “[58]، وقال ابن عباس موجها عملية الاستهلاك:” ألا كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك اثنتان سرف أو مخيلة”[59] .

      بينما اعتبر الإسلام إدارة المال مسؤولية عظيمة لا تستند إلا للمؤهلين لذلك، فقال سبحانه محذرا من سوء الإدارة التي تبدد المال وتبذره: ” ولا توتوا السفهاء آمو الكم التي جعل الله لكم قيما “[60]ثم أرشدنا إلى مناط المسؤولية فقال: ” فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم “[61]، ولذلك حجر على مال الصغير والمجنون والسفيه والمفلس حفظا للمال من التبديد.

فالوقف الإسلامي بمختلف أنواعه إنما يمثل في النهاية الوسيلة المثلى الإجرائية لتحقيق أوجه الحفظ للقضية المالية، لأن الوقف يقوم على حفظ بقاء أصول الأموال، وضمان استمرار إنتاجها وخدماتها ودوام منافعها كما أن نظام الوقف له خصوصية وظيفية اقتصادية غاية في حفظ المال، ألا وهي تحويل المال من موقع الاستهلاك إلى موقع الاستثمار في إنتاج المنافع والخدمات والإيرادات التي تستثمر في المستقبل في أوجه البر والخير.

  لذلك تعين على البحث العلمي أن يوجه أنشطة الوقف ووظائفه المتعددة لتتواطأ على خدمة هذا المقصد الشرعي الكبير باعتباره أفقا استراتيجيا مؤطرا لوظائف الوقف الإسلامي، ولتنضبط عمليا بالأحكام الشرعية الضامنة لحفظ المال، سواء تعلق الأمر بالحفظ من جانب الوجود وذلك بتشجيع الناس أفرادا ومؤسسات وحفزهم على وقف الأموال قربة للمولى، وحسن إدارة الوقف وتنميته بالاستثمار في مشاريع المنفعة المعتبرة شرعا المحققة لقصد الواقف، أو بالتصدي لأشكال الاعتداء على المال، وذاك بتفعيل النظام العقابي الشرعي حدودا وتعازير.

  • الوقف الإسلامي وسيلة لتحقيق مقصد حفظ النوع الإنساني:

        إذا كان الوقف الإسلامي يمثل مسلكا من مسالك تحقيق مقصد حفظ المال، فذلك يترتب عليه من جهة أخرى تحقيق مقصد كلي آخر ألا وهو حفظ النوع الإنساني مناط التكليف بعمارة الأرض وعبادة الديان، وبدون الإنسان وضمان استمراره في الوجود لا يبقى دين يطبق على الأرض ويتعذر العيش على الأرض، قال الشاطبي: ” ولو عدم المال لم يبق عيش، وأعني بالمال ما يقع عليه الملك ويستبد به المالك عن غيره إذا أخذه من وجهة، ويستوي في ذلك الطعام والشراب واللباس على اختلافها، وما يؤدي إليها من جميع المتمولات، فلو ارتفع ذلك لم يكن بقاء، وهذا كله معلوم ولا يرتاب فيه من عرف ترتيب أحوال الدنيا وأنها زاد للآخرة “[62].

فالبحث الاجتهادي في تدبير الأوقاف الإسلامية هو المسئول النظري عن توجيه نظام الوقف الإسلامي لخدمة هذا المقصد العظيم ألا وهو حفظ حياة الإنسان ونشاطه وقدرته على الإعمار، وإنما يتحقق ذلك بتوجيه نظام الوقف أساسا وجهتين متكاملتين:

     الوجهة الأولى: العمل على توفير الحاجات الضرورية التي عليها تتوقف حياة الإنسان، وذلك من مأكل ومشرب ومسكن وملبس ومنكح وتعليم وغيرها مما يمكن أن يتعدد ويتنوع حسب الأزمنة والأمكنة والأحوال، وذلك حتى لا تذهب أموال الوقف في مشاريع جزئية، وتلبية حاجات ثانوية، أو تحقيق مصالح مرجوحة، فأموال الوقف إذا لم تكن محكومة بهذا السقف المقاصدي الضروري المرتبط بحياة الإنسان، زاغت عن وظيفتها.

ولقد شرع الحق سبحانه مبدأ إعمال الرخص في العزائم، فأباح بمقتضاه للإنسان أن يقتحم دائرة المحرمات ويخرج من نطاق الواجبات على وجه الاستثناء من أجل تلبية حاجياته الضرورية، لذلك استثنى الضرورة من حالات التحريم، فقال: ” وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه”[63]، وذيل سبحانه حديثه عن المحرمات من المطعومات بقوله: ” فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه “[64]، ” فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم “[65]، ” فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم”[66]، وذلك لمعالجة ما يعتري الإنسان من حالات الضعف ضمن سياج الشريعة.    

 الوجهة الثانية: العمل على توفير حاجات الكفاية  للإنسان، وذلك لضمان حفظ نشاط هذا الإنسان وتأمين قدرته على الإعمار،لأن مجرد حفظ الحياة على المستوى الضروري لا يجعل الإنسان قادرا على أداء وظيفة الاستخلاف في الأرض بإعمارها بل لا بد له من كفايته حتى لا ينشغل باله، فكل ما يشغل الإنسان ويصرفه عن وظيفته المركزية التي من أجلها خلق، لزم شرعا كفايته هم ذلك، وإلا حل به الحرج المرفوع في الشريعة بمقتضى قوله تعالى: ” وما جعل عليكم في الدين من حرج “[67]، وقوله سبحانه: ” يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر “[68]، وأحاطت به المشقة الموضوعة عنا، في قوله تعالى: ” لا يكلف الله نفسا إلا وسعها “[69] .

فلقد ربط الحق سبحانه أوجه إنفاق المال المطلوبة شرعا بالحاجيات الاجتماعية والإنسانية، سواء تعلق الأمر بمصارف الإنفاق الواجبة، كما في الزكوات[70] والكفارات والنذور، أو بمصارف الإنفاق المستحبةكما في قول الله تعالى: ” ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيئين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب “[71]، وقوله سبحانه: ” قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والاقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل “[72].

        والوقف أقوى أموال الصدقات القادرة على سد الخلة الاجتماعية وتلبية مختلف الحاجيات الإنسانية، بما تمتاز به من استقلالية وديمومة، خصوصا وأن القصد من تلبية حاجيات الإنسان ليس الحفاظ على الإنسان حيا، بل الحفاظ عليه حيا فاعلا، وهذا لا يتم إلا بتلبية حاجياته على المستويين الضروري والحاجي.

ثانيا: مقاصد الوقف الخاصة

    إن اندراج الوقف في سلك مقاصد الشريعة العامة، وانبناءه على أساس ثنائية القصد الأصلي والتبعي، يحيلنا على أهمية رصد وتتبع امتدادات تلك المقاصد في الواقع الاجتماعي الإنساني المتعدد المستويات لاكتشاف القيمة الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية الكبرى لنظام الوقف الإسلامي.

مقاصد الوقف التربوية:

     إن ما جبل عليه الإنسان من حب المال والارتباط والبخل به عائق تربوي يفضي به إلى الطغيان وإلى اختلالات نفسية إن لم يتدارك نفسه بالتربية، قال تعالى: ” إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى “[73]، وقال: ” إنما أموالكم وأولادكم فتنة “[74]، وقال: ” إن الانسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا”[75]

لذلك كلفه الحق سبحانه ان يتطهر من حبه للمال وبخله به ببذله وإنفاقه وجوبا كما في الزكاة وغيرها، وندبا كما في الوقف وسواه، فرغب في ذلك بأساليب مختلفة وفي مواطن متعددة من كتابه، كقوله: ” لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون”[76]، وقوله: ” وما أتفقتم من شيء فهو يخلفه”[77].

         ومعلوم أن تزكية النفس مقصد عظيم من مقاصد البعثة النبوية، كما ذكر الحق سبحانه في قوله: ” هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين”[78]، وتكرر ذكر هذه المقاصد في قوله تعالى: ” لقد من الله على المومنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم أياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين”[79]

     وعليه يكون وقف المال على أوجه البر وسيلة تربوية في تحقيق مقصد التزكية والتطهير لنفس الواقف من البخل والشح، فالحق سبحانه بشر بالفلاح من تطهر من هذا الداء حين قال: ” ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون”[80]، كما أن الوقف قربة عظيمة للمولى ينال بها الواقف تكفير ذنوبه وآثامه، ومضاعفة أجوره باستمرار.

مقاصد الوقف الأسرية:

          من المقاصد التي يضمنها الوقف تقوية وشائج القربى والمحبة بين الأقارب، مما يضمن تماسك الأسر والعائلات والتعاون بينها، فقد رفع الله من شأن الأهل والأقارب إلى الدرجة التالية لتوحيد الله وعبادته، في قوله: ” واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتتمى والمساكين والجار ذي القربى”[81]، وفي قوله: ” وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا”[82] ، وابتدأ بهم سبحانه في تحديد من تصرف إليهم العطايا في قوله: ” وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل”[83]، وجعلهم سبحانه أول من أمرنا بالإحسان إليه في قوله: “إن الله يامر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى”[84].

          كما بينت السنة القيمة الشرعية لما يحققه الوقف من صلة بين الأقارب في أحاديث عدة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: ” الرحم معلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله،ومن قطعني قطعه الله”[85] ، وفي عظيم فضلها دنيا وأخرى، يقول صلى الله عليه وسلم: ” من سرهُ أن يبسط له في رزقه ، ويُنسأ له في أثرة فليصل رحمه”[86] .

          فلا غرو أن يكون وقف المال على الأهل والأقارب من أقوى الوسائل الشرعية في بناء أواصر المحبة والتواصل بين الأقارب والأرحام، خصوصا وأن هذا النوع من الوقف يؤمن للعائلة مصدرا معاشيا دائما، ببقاء المال ودوام الانتفاع، لذلك كان الوقف الأهلي أو الذري قسيما ثانيا للوقف الخيري.

مقاصد الوقف الاجتماعية:

          من المقاصد البارزة التي يعمل الوقف على تحقيقها مقصد التكافل والتعاون والتعاضد بين أهل المال وذوي الحاجة من أبناء المجتمع، مصداقا لقول الله تعالى: ” وتعاونوا على البر والتقوى”[87]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ” مثل المومنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”[88]، ومما يترتب عن هذا المقصد تحسين مستوى المعيشة للمجتمع وتقليل الهوة بين فقرائه وأغنيائه وتحقيق تنمية اجتماعية مستديمة، كما سبق بيان ذلك بتفصيل[89]، وقد أثبت التاريخ قدرة الوقف الإسلامي على الاستجابة الدائمة والمتنوعة للحاجيات الاجتماعية من تعليم وصحة ومساجد وإيواء[90].

مقاصد الوقف الاقتصادية:

         من المقاصد التي يحققها الوقف الإسلامي على المستوى الاقتصادي جمعه بين ادخار المال واستثماره، وهو مقصد اقتصادي مهم يتميز به الوقف عن غيره من مصادر التمويل، كما أن مقصد التأبيد لأصول المال الذي يقوم عليه الوقف أساسا ضمن قدرة الوقف على إنتاج المنافع والخدمات والإيرادات على نحو دائم ومستمر، الشيء الذي يسهم في تحقيق إقلاع اقتصادي مهم[91]، لأن الوقف مصدر تمويل دائم حتى عند اشتداد الأزمات.

         وإذا تميز مال الوقف بتباث أصوله ودوام منافعه، فذلك لا يتأتى على نحو ملائم إلا باعتماد مبدأ الاستثمار في أموال الوقف عن طريق التسويق والتصنيع والإنتاج للحفاظ عليها حتى لا تأكلها النفقات والمصاريف من جهة، وتسهم في تحقيق المقاصد التنموية الشاملة للوقف من جهة ثانية.

          وقد أجاز كثير من أهل العلم والاختصاص مبدأ استثمار أموال الوقف بما يحقق بقاء عينها ودوام نفعها، شرط أن يتم ذلك بوسائل مشروعة وفي مجال مشروع[92].

مقاصد الوقف الإنسانية:

          من مقاصد الوقف سد حاجيات الإنسان من حيث هو إنسان، كما ثبت ذلك من خلال ابن السبيل الذي قدمه القرآن مصرفا ثابتا من مصارف الزكاة الواجبة، ووجها من أوجه الإنفاق المستحب، كما في قوله تعالى: ” وآت ذات القربى حقه والمسكين وابن السبيل”[93]، فالإنسان حين تنقطع به السبل في غير بلده يكون أولى بالعناية والإعانة في بلاد المسلمين إيواء وإطعاما، كما كان ذلك في تاريخ الوقف الإسلامي، فقد كانت هناك أوقاف خاصة لأبناء السبيل في مختلف البلدان، وأوقاف للمرضى وأخرى للزمنى حتى خصصت أوقاف في مدينة فاس بالمغرب مثلا لبعض الطيور التي تبني أعشاشها على الصوامع وأسطح المنازل كاللاقالق والحمام.

          وينظر من مال الوقف في هذا الزمان أن يتوسع في خدمة هذا المقصد العظيم إسهاما منه في خدمة الإنسانية صدقا ودعوة لا نفاقا واستغلالا، فما أكثر الحالات الإنسانية في مختلف مناطق العالم التي تنتظر من المسلمين المعالجة والإغاثة.

 ثالثا: مطالب تجديد الوقف:

         إن أي حديث عن تجديد نظام الوقف لا يرتكز ابتداء على التحديد العلمي الموضوعي للحاجيات الآنية والمستقبلية للمجتمع، من خلال التتبع والرصد الميداني لهذه الحاجيات، يكون حديثا غير ذي موضوع، ومآله غير مأمون، وعليه فإن المطالب الكلية للوقف الإسلامي الآن انطلاقا من مراعاة حال الزمان وأهله نجملها فيما يلي:

أ-  العدالة الاجتماعية:

         إذا كان العدل الاجتماعي مقصد الشريعة الأسمى وطلبة كل المستضعفين، فإنه لا يتم إلا بالقسمة الرشيدة للثروات بين العباد، وهذا تجل أعظم للعدالة الشرعية، وتحد أكبر للأمة الإسلامية في واقعها الحالي الذي فشلت فيه مرتين: فشلها في إنتاج الثروة، وفشلها في حسن توزيعها.

         والعدالة الاجتماعية على المستوى الداخلي تقتضي توفير حد الكفاية لكل مواطن أيا كانت جنسيته أو ديانته ، وهو المستوى اللائق للمعيشة حسب الزمان والمكان، بحيث يستشعر الجميع نعم الله وفضله، فيقبل على الحمد والشكر، وقد حرص أهل العدل من سلفنا على تأمين مستوى الكفاية لعامة الناس، فقد كتب عمر بن عبد العزيز لعامله في ذات الموضوع: ” إنه لا بد للمرء من مسكن يسكنه، وخادم يكفيه مهنته، وفرس يجاهد عليه عدوه، ومن أن يكون له الأثاث في بيته”[94]

         ولا يتحقق مطلب العدالة الاجتماعية بمجرد الزيادة الكمية في الإنتاج، ” فوفرة الإنتاج مع سوء التوزيع هو احتكار لا تقره الشريعة، كما أن عدالة التوزيع دون إنتاج هو توزيع للفقر والبؤس يرفضه الإسلام “[95].

         ومن الآليات الشرعية التي يمكن اعتمادها في تحقيق مطلب العدالة الاجتماعية – إلى جانب وظائف ميزانية الدولة – توظيف نظام الوقف الذي يندرج تحت قاعدة بذل فضول المال المأخوذة من قوله صلى الله عليه وسلم: ” من كان له فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له “[96]، حتى قالوا إذا احتاج المسلمون فلا مال لأحد، وذلك من أجل تحقيق التكافل العام في المجتمع.

         ففي الحالات الاستثنائية التي يتعذر فيها على بيت المال كفاية حاجيات الأمة، تتنتقل مسؤولية التكافل وتقديم الكفاية إلى أوقاف البلد فأغنيائه، قال ابن حزم: ” وفرض على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم، ويجبرهم السلطان على ذلك إن لم تقم الزكوات بهم، ولا في سائر أموال المسلمين فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لا بد منه، ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك، وبمسكن يقيهم من المطر والصيف والشمس وعيون المارة “[97].

         وقد ضرب الأشعريون زمن النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في التكافل الاجتماعي وعدالة التوزيع حتى استحقوا المدح النبوي، ذلك ” أنهم إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم في المدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم “[98].

 ومن مقتضيات عدالة التوزيع اعتماد التوزيع الجغرافي لأوراش التنمية الوقفية لتشمل مختلف المناطق والمدن والقرى لإشراك الجميع في عملية الإقلاع التنموي.

رابعا: ضوابط تجديد نظام الوقف

         إن من مرتكزات مخطط نظام الوقف الإسلامي في مطالبه وقضاياه أن يسيج بضوابط شرعية تؤمنه في مسيرته نحو مقاصده، وتحقيق مطالبه، وهي ضوابط تنضاف إلى ما سبق الحديث عنه من ضوابط مقاصدية كلية.

أ-  الضوابط التشريعية:

         ونقصد بهذه الضوابط المبادئ الشرعية التي تشكل صمام الأمان لمشروع الإقلاع الوقفي من جهة حده الأدنى وجهة حده الأقصى، وهما العدل والإحسان.

  • الضابط الأول: العدل الإلزامي

فالعدل الإلزامي يمثل القوة الخارجية التي تحدد السلوك الاجتماعي وتضبطه، ويفرض على الفرد في المجتمع الإسلامي الانضباط المطلوب بقوة الشرع ممثلة في أحكام الواجب والمحرم، وهي البواعث الحافظة لمقاصد الشريعة من جانب الوجود، والروادع الحافظة لها من جانب العدم.

وإذا كان العدل في ارتباطه بإعطاء الحقوق يكتسب معنى خاصا، فإن وروده في الشريعة بأقوى صيغة للتكليف والإلزام في قوله تعالى: ” إن الله يامر بالعدل والاحسان “[99]، ووروده كذلك مقصدا أسمى لبعثة الأنبياء والرسل في قوله سبحانه: ” لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط “[100]، يكتسب به معنى أعم وأشمل حتى عده ابن عاشور ” الأصل الجامع للحقوق الراجعة إلى الضروري والحاجي من الحقوق الذاتية وحقوق المعاملات “[101].

فصيانة المشاريع الوقفية من أن يلحقها ضرر، أو ينشأ عنها ظلم أو مفسدة، إنما يتم بضابط العدل الإلزامي القادر على بناء ما خربه الظلم.

  • الضابط الثاني: الإحسان التطوعي:

         يأتي ضابط الإحسان التطوعي ليشكل سقف البناء الشرعي للمشاريع الوقفية المؤسسة على قاعدة العدل، ويسد ثغرات العدل الإلزامي، ولذلك جاء العدل مقرونا بالإحسان في قول الله تعالى: ” إن الله يامر بالعدل والاحسان “[102].

         والإحسان قيمة تربوية مرتبطة بذمم الأفراد، وهي مراقبة الله في كل الأعمال ينشأ ذلك طبيعياً في ظل التربية الخاصة التي ينشئ الإسلام عليها الفرد في المجتمع الإسلامي، فتكون التيجة العملية للسلوك الإحساني سموا واضحا بالتدبير المالي فوق الأنانية المستعلية وشهوات الحياة وملذاتها.

  • الضابط التربوي:

نقصد بالضابط التربوي للإقلاع الوقفي اعتماد عامل الإيمان بالغيب في إنجاح هذا المشروع، وهو الاعتماد الكلي على مسبب الأسباب وخالقها سبحانه، والافتقار إليه، وذلك بأمرين اثنين: الإيمان والتقوى.

فالتوفيق والنجاح في كل الأمور، ومنها مشروع تجديد نظام الوقف مشروط بالإيمان والتقوى في قوله تعالى: ” ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض “[103]

وقوله سبحانه في دعوة نوح عليه السلام لقومه: ” فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا “[104].

        فسر النجاح وتذليل الصعاب في الافتقار الكلي إلى الله تعالى قبل استفراغ الوسع البشري وأثناءه وبعده، وقد يفشل العبد أو الدولة وتنتكس مشاريعهم ليس لتقصير في الجهد ولا في اتخاذ الأسباب، وإنما بذنوب أبعدتهم عن الله تعالى، لذلك علمنا الحق سبحانه أن نتخذ الاستغفار وسيلة لحذف حواجز الذنوب التي تفصلنا عن المولى سبحانه، كما أرشدنا أن الإيمان الذي عنه تنشأ التقوى ومخافة الله يجلب الخيرات والبركات.

         فلعل المألوف في مثل هذه المواضيع المالية لغة الأرقام والبيانات، والتحليل المادي للقضايا، لكننا نرى أن البحث العلمي المتكامل المؤهل لبحث قضايا الاقتصاد الإسلامي هو من يجعل الإيمان بالغيب عامل تحليلي وتقويمي حاسم.

المحور الثالث: نظام الوقف وقضاياه التطبيقية

         إن الضبط المقاصدي لنظام الوقف الذي تمت معالجته في المحور السابق، قصده ومصبه حسن التنزيل لقضايا الوقف في مجالات التنمية الحيوية في دنيا الأمة، وحسن التنزيل وصواب التطبيق للمال الوقفي إنما يتم بتوظيف واستثمار الموارد الوقفية في أوراش التنمية الكبرى ذات الأولوية العظمى، والأهمية الاسترتيجية القصوى، بدل حصرها في قضايا فردية واجتماعية مرجوحة، أو استغلالها صندوقا ثانيا للقطاع العام، يتملص به من مسؤوليته.

         فإذا كان تحقيق مقصد حفظ المال الوقفي من جانب الوجود بتعبير الإمام الشاطبي إنما يتم باستثماره فيما يغني موارد المجتمع لتوفير المنتجات الضرورية كالمأكل والمشرب والمسكن والعلاج، ثم التدرج إلى توفير الكفاية ثم في النهاية إلى الحاجيات الكمالية والتحسينية[105]، فإن أهم هذه الموارد وأولاها بتوظيف الأموال الوقفية ثلاث:

أولا: القضية التعليمية:

تحتل القضية التعليمية مكان الصدارة في أولويات بناء المجتمعات والأمم، فهي المدخل الواسع للتنمية الحقيقية، والشرط المبدئي لأي تقدم حضاري، كما أن أي إخفاق في المسألة التعليمية يستتبع لزوما الإخفاق فيما سواها من المجالات الحيوية، فالتعليم صمام الأمان في بناء وصيانة الهوية الحضارية للأمة في ناشئتها وأجيالها المتعاقبة، وهو الضامن لتحقيق تكافؤ الفرص بين المتعلمين، الذي يساعد على اكتشاف طاقات شباب الأمة لتوجيهها واستثمارها في متطلبات الأمة الآنية والمستقبلية.

ولعل الواجب المقدس الذي عجزت عن الوفاء به معظم الدول الإسلامية الآن قضية تعميم التعليم والقضاء على الأمية، واستمر العجز عن الوفاء بالواجب حتى بعد تدخل القطاع الخاص في التعليم، ونحن نعلم أن ” لا أمل لعزة في هذا العصر لأمة لا تقرأ ولا تكتب، ولا تشارك شعوبها عن معرفة بما يجري في العالم وما تفرضه ضرورات الصراع في العالم “[106].

 فكيف لا تكون القضية التعليمية بتلك الأهمية الاستراتيجية، ومع هذا الإكراه الثقيل المجال الحيوي الأولى باستثمار وتوظيف الموارد الوقفية المصممة مقاصديا على تسبيل المنفعة، والتعليم أرقى أوجه صرف المنفعة الوقفية.

فحين ننظر إلى تراثنا الأصيل ندرك مدى الاهتمام والعناية بإنشاء المدارس الوقفية التي انتشرت في أرجاء العالم الإسلامي، وكان منطلقها مؤسسة المسجد التي كانت في دائرة عين التعليم منذ مسجد قباء الذي أسسه المصطفى صلى الله عليه وسلم فور وصوله إلى المدينة عند هجرته من مكة، لما قال لأهل الأرض: ” يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا، قالوا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله”[107]، ثم المسجد النبوي الذي كان مركز إشعاع علمي، حتى إن حلقات العلم فيه تكاد تنتظم كل فسطاط فيه، يعلِّم فيها كبار العلماء كأنس بن مالك، الذي عبر عن ذلك بقولته المشهورة: ” قد أدركت سبعين ممن يحدث: قال فلان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هذه الأساطين وأشار إلى مسجد رسول الله ” [108].

ولما استقلت المؤسسات التعليمية عن المساجد استمر التنافس بين أهل المروءة والمال في بناء المعاهد وتشييد المدارس، وتخصيص أوقاف غنية لتدبيرها، حتى لا تكاد تخلو مدينة إسلامية من أوقاف المدارس والمساجد والمعاهد[109]، وكان من أهم وأشهر تلك المؤسسات التعليمية جامع القرويين بفاس الذي أسسته امرأة صالحة فاطمة الفهرية سنة 245هـ من مال ورثته عن أبيها، وتحول بفضل أوقاف الواقفين إلى منارة للعلم والمعرفة مشرقا ومغربا منذ منتصف القرن الثالث الهجري إلى أن فرط فيه أهله الأواخر، وما زالت المدارس الوقفية التي أنشئت حول جامع القرويين شاهدة على ريادة نظام الوقف في النهوض بالقضية التعليمية، وتعميمها على الناس.

ولعل قيمة الوقف في احتضان التعليم وتعميمه وضمان استقلاله، تظهر جليا حين نستفهم التاريخ الحديث عن سر تقدم الغرب في العلوم، حيث نجد من بين الأسباب استقلال التعليم عن احتكار الدولة وبيروقراطيتها، واحتضان مؤسسات خاصة للمعاهد التي صبغت النبوغ والتفوق، فإذا ذكرت مثلا جامعتا أكسفورد وكامبريدج في بريطانيا، ذكرت معها الكنيسة بدعمها ومنحها.

ويحظى التعليم الحر، لا سيما الجامعي والعالي منه في أمريكا بالمنح الخاصة والتبرعات الإحسانية والقرض المسهل للطالب، يرد ما اقترضه بعد إنهائه الدراسة ودخوله في النشاط الاقتصادي[110].

وتأسيسا على ما سبق يكون نظام الوقف المخرج الأسهل والملجأ الأقرب للقضية التعليمية وتعميمها التي فشل فيها الكثيرون، بحيث ينتشل التعليم بمقتضاه من براثن جشع القطاع الخاص واحتكاره، وإهمال القطاع العام وشحه إلى حضن الأمة وكنفها، وهو الأمر الذي يمكن التعويل عليه في استعادة التوازن العادل المطلوب المفقود بين القطاعات الثلاثة: الخاص والعام والوقف.

وإذا أثبت الوقف عبر التاريخ قدرته على احتضان التعليم والنهوض به دون ملل فذلك راجع إلى ما يتميز به دون غيره من الاستقلالية والديمومة للموارد الوقفية، وهذه قوة ذاتية لنظام الوقف يستطيع بها أن يحتضن القضية التعليمية: الحصن الأخير للأمة إنشاء للمدارس والكليات وتجهيزا لها بمستلزماتها، واحتضانا للطالب المحتاج إيواء وغذاء وكتبا، وللأستاذ إيجارا عند المقتضى.

لكن المطلوب قبل ذلك إحياء الحوافز الإيمانية في الأمة حتى يهب أهل الدثور من المؤمنين لوقف كرائم أموالهم في حفظ المقاصد الشرعية الكلية الضرورية ألا وهي حفظ دين الأمة وعقلها وصحتها وقدرتها على إعمار الأرض أداء لمقصد الاستخلاف، فوقف الأموال لحفظ المصالح الحيوية للأمة، فيه ضمان لمصير الواقف عند الله تعالى إحسانا، ومصير الأمة في التاريخ عدلا.

ثانيا: البحث العلمي:

     البحث العلمي في معظم المجتمعات الإسلامية يمثل واجهة أخرى من واجهات الإخفاق، بحيث عجزت دول هذه المجتمعات عن بناء قاعدة متينة للبحث العلمي التي أصبحت مسألة حياة أو موت للمجتمعات، فمعظم الدول العربية جعلت يدها مغلولة إلى عنقها في الإنفاق على البحث العلمي، فلا تخصص له من ميزانيتها سوى أقل من واحد في المائة، أو واحد في أحسن الأحوال، في حين تخصص الدول المتقدمة للبحث العلمي ميزانية كبيرة جدا، تبلغ في الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من أربعين في المائة.

         فإذا كانت قوة الأمم الآن وهيبتها بين الدول إنما تقاس بإنتاجها العلمي المثمر للإنتاج التكنولوجي والصناعي وغيرهما[111]، فمخرجنا من مأزق الأمية العلمية بين الأمم إنما  يتم وجوبا بالإنفاق السخي التطوعي الذي تدعمه مالية الدولة، ولا تقوم مقامه.

         فهذا ورش حيوي آخر متمم لسابقه، ومصلحة عظمى كما بينا تستدعى لها الأموال الوقفية لتنهض به، وتحيي به الأمة، وذلك من خلال إنشاء وتمويل مكونات البحث العلمي التالية:

  • المكتبات العلمية:

        فتوجيه الموارد الوقفية لإنشاء المكتبات العلمية والسهر على تدبيرها، ضمان لركن مهم من أركان البحث العلمي، فالمؤسسات العلمية أو البحثية لا يمكن أن تؤدي عملها بالشكل المطلوب إلا بوجود الكتاب، فقد كان الناس قديما منهم “من يوقف كتبه على المسلمين عامة دون تعيين فتوضع كتبه في خزانة الجامع، ومنهم من يخصص فيقول: أوقفتها على المكان الفلاني أو بالبلدة الفلانية …، ومنهم من يترك استعمالها حراًّ على حين يضع آخرون شروطاً لاستعمالها وإعادتها كما فعل القاضي ابن حيان الذي منع إعارة كتبه خارج المبنى، وبعضهم وقف كتبه على أهل العلم كما فعل ابن الخشاب “[112].

         يقول ابن جبير في إحدى مشاهداته بمصر: ” ومن مناقب هذا البلد أن الأماكن في هذه المكتبات قد خصصت لأهل العلم فيهم، فهم يفدون من أقطار نائية، فيلقى كل واحد منهم مأوى يأوي إليه ومالا يصلح به أحواله “[113]، وهو ما يدل على أن المكتبات الموقوفة لم تكن مجرد مكتبة للقراءة بل كانت مراكز للتعليم وللبحث العلمي وللمناظرة وأحيانا للترجمة كما هو الحال في “بيت الحكمة” ببغداد الذي وصفه محمد غنيمة بأنه “مجمع علمي للترجمة والبحث “[114].

         ومن أشهر ما جاد به المال الوقفي في التاريخ الإسلامي الحضاري مكتبات عظيمة ظلت روافد البحث العلمي عبر التاريخ، منها مكتبة المدرسة المستنصرية ببغداد التي وصفها المؤرخ ابن كثير بقوله: ” وقف الخليفة المستنصر بالله خزائن كتب لم يسمع بمثلها في كثرتها وحسن نسخها وجودة الكتب الموقوفة بها “[115]، ومكتبة ابن النفيس بالقاهرة، ومكتبة خزانة القرويين النفيسة بفاس التي ما زالت قبلة للعلماء والمفكرين والباحثين من مختلف أنحاء العالم لما تتوفر عليه من مخطوطات نادرة.

         فمن خلال هذا الرصيد الحضاري للوقف الإسلامي، يتبين قدرة المال الوقفي على نشر العلم والمعرفة، وتنمية حركة التأليف والإنتاج العلمي من خلال ما ينشئه من المكتبات.

  • مراكز الدراسات الاستراتيجية:

         يمكن أن نرسخ الاستثمارات الوقفية في عمق التنمية حين نخصص أوقافا مهمة لإنشاء وتمويل مراكز الدراسات الاستراتيجية في مختلف التخصصات، لتكون بنك خبرة يعتمد عليها القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعلمي وغيره في تحقيق مصالح الأمة الاستراتيجية.

  • مختبرات توطين التكنولوجيا:

         لقد تمت الإشارة سابقا إلى أن اعتماد تكنولوجيا مستوردة غير مستوطنة يقود حتما إلى التبعية العلمية وغيرها للأجنبي، ولا يفك رقبة الأمة من أسر هذه التبعية إلا بإنشاء مختبرات خاصة لتوطين التكنولوجيا تضم نوابغ من أدمغة هذه الأمة، وذلك بأموال الوقف السخية من أفراد ومؤسسات اقتصادية وغيرها، بعد أن ثبت عجز المال العام عن المهمة.

         ومعلوم أن تحرير الرقبة الفردية كان قربة عظيمة إلى المولى، ومصلحة جليلة للأمة، فكيف إذا تعلق الأمر برقبة الأمة كلها؟

  • دور النشر والتوزيع:

         ومما يساعد على التنمية العلمية في الأمة، ويروج الثقافة والمعرفة، تأسيس دور لنشر الإنتاج العلمي في الأمة وتوزيعه، حتى تتأتى الاستفادة منه فور صدوره، فكم من بحوث علمية أنجزت وبقيت في رفوف أصحابها بسبب غلاء الطبع وقلة ذات اليد.

         فحين توجه أموال الوقف لإنشاء وإدارة دور النشر والتوزيع، يتأتى للأمة أن تستفيد مما تنتج وتفيد به، وتبني تراكمها العلمي.

  • مختبرات تطوير البحث العلمي:

         من القضايا الملحة في البناء العلمي للأمة إنشاء مختبرات لتطوير البحث العلمي في الطب والصيدلة والزراعة وغيرها، فهي الواجهة التي تستطيع فيها الأمة أن تبني حاضرها وتضمن مستقبلها بين الأمم، فتخصيص أوقاف مناسبة لهذه المصلحة قربة كبيرة للواقف، ومصلحة عظيمة للأمة.

  • صناديق المشاريع:

         من المفيد جدا أن تعمم فكرة تخصيص صناديق وقفية لتمويل مختلف المشاريع الخيرية، ومنها المشاريع العلمية، كما في تجربة الأمانة العامة للأوقاف الكويتية الرائدة، وغيرها من التجارب في السعودية ومصر.

         من خلال هذا التوظيف المقاصدي للموارد الوقفية في تلك المشاريع التعليمية والعلمية، نكون قد أحيينا في الأمة مصدر ماليا حيويا، ونقلنا وظيفة الوقف من المجالات الجزئية التي ينتفع فيه الأفراد والفيئات، إلى رحاب المصالح الكلية التي تنفع الأمة كلها.

ثالثا: إعداد اقتصاد القوة:

         من المجالات التي ينبغي توظيف المال الوقفي فيها، إعداد القوة الاقتصادية التي تصنع للدولة مهابة، وتضمن لها بين الأمم مكانة، لتستطيع بذلك أن تفعل حضورها في المنتديات الدولية، وتدافع عن مصالحها وتنتزع حقوقها من بين مخالب القوى العالمية، وتؤثر في التوازنات الدولية، إلى غير ذلك من الامتيازات التي تتأتى بالقوة الاقتصادية، لذلك جاء الأمر القرآني ملحا بإعداد القوة، فقال سبحانه: ” وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم “[116].

        غير أن معظم اقتصاديات المسلمين تعيش تحت رحمة النظام المالي العالمي بشروطه القاسية وإملاءاته المجحفة، يقول IGNACE DALLE “في يوليوز 1963حين كان الأجانب، وخصوصا الفرنسيون، يحتلون موقعا هاما في النشاط الاقتصادي، الفلاحي والصناعي والتجاري، تطلب السلطات المغربية من البنك الدولي للإعمار والتنمية (BIRD) إرسال بعثة للدراسة العامة (Mission pour étude générale) من أجل تقييم إمكانيات التطوير، تحديد سلم الأولويات في مجال الاستثمار و اقتراح سياسة اقتصادية و مالية، وأيضا الإجراءات الضرورية من أجل نجاح برنامج التنمية”[117].

  يتبين من هذه الواقعة التاريخية أن السلطات المغربية على سبيل المثال كانت و مازالت تستند في سياساتها الاقتصادية إلى توجيهات مؤسسات التمويل الدولية خاصة البنك الدولي و ذلك بغية الحصول على تسهيلات وقروض إضافية مما أدى إلى تفاقم أموال المراباة و تضخم المديونية.

فمشكلة البرنامج التنموي في كثير من بلدان المسلمين هي مشكلة التمويل، ذلك أن القروض المشروطة لا تدع المشاريع التنموية تقوم، وخصوصا الاستثمار في القطاعات المنتجة، ولذلك فلا سبيل لبناء اقتصاد القوة إلا بالتحرر من التبعية للأجنبي، وامتلاك استقلال القرار الاقتصادي، وهذا لا يتم إلا بالشروط التالية:

– قوة الإرادة والممانعة الناشئة عن استقلال في القلب والفكر والعقل، وهو ما يثمر المواقف المستقلة والاختيارات الحرة.

–  فك الارتباط بالتبعية الاقتصادية الراجع في عمقه إلى عقول مغربة في مدارس الاستعمار ومذاهبه، وإعادة دمج نظام الوقف الإسلامي في المنظومة الاقتصادية ليأخذ موقعه الحيوي في إدارة عجلة التنمية إلى جانب القطاع العام والقطاع الخاص، دونما تأثير في استقلالية الوقف، فنكون بذلك أمام إقلاع تنموي حقيقي، خصوصا إذا ما عززناه بتعبئة عامة في المجتمع تفضي إلى انفطام الجميع عن الشهوات والمألوفات، والحاجات الترفية التي صنعتها فينا الاستثمارات الأجنبية ببلداننا المصممة لهذا الغرض، وبذلك نستطيع أن نتعامل مع غيرنا تعامل الأنداد والأكفاء[118].

         ولا ننكر أن دون هذه المطالب هجرة شاقة، تتم في النفوس أولا، ويتبعها الفطام التدريجي عن رخاوة الحياة الطفيلية التي تعيشها شعوبنا المغلوبة على مائدة اقتصاديات الغرب، ولدينا في تراثنا وتاريخنا الاقتصادي خيارات اقتصادية قوية تدعم هذا المقترح، كسلوك الخليفة عمر رضي الله عنه عام الرمادة حين حرم على نفسه وأهله أكل اللحم والحلوى، حتى يتناوله عامة المسلمين[119]، ولم يكن ذلك سلوكا ورعيا شخصيا لعمر، وإنما هو خيار اقتصادي استثنائي أملته الظروف الاقتصادية التي حلت بالمجتمع، فكان رضي الله عنه ”  يمشي في الأسواق ممسكا بدرته لتنال كل من يحاول شراء اللحم يومين متتاليين “[120].

غير أن تحقيق هذا المطلب العزيز دونه عقبات موضوعية متوقعة، ينبغي أن تعرف لتقتحم على أساس من فقه المرونة والتدرج والمصانعة، منها:

  • – الضغوط الدولية من المؤسسات المالية العالمية للحيلولة دون استقلال القرار الاقتصادي الإسلامي، وذلك إبقاء ودعما لواقع التبعية، ودفعا للمنافسة المحتملة.
  • التخلف السياسي في كثير من الدول الإسلامية ممثلا في سوء تدبير العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وبين العامل ورب العمل، وهو ما نشأ عنه استعباد الدول المصنعة للدول الفقيرة ( علاقة الشمال- الجنوب ).
  • قيام اقتصاد معظم المسلمين على تصدير المواد الخام ( النفط- المعادن- الخضر- بعض الزيوت ..)، واستيراد المواد المصنعة، والتكنولوجيا وخبرائها، مع قبول التمويل المشروط للمشاريع التنموية.
  • تهميش وإهمال لمصدر حيوي من مصادر التمويل الذاتي والاستقلال المالي، ألا وهو الوقف الإسلامي، سواء على مستوى الإنشاء أوالتوظيف والاستثمار، فليست هناك خطة تربوية وتعليمية وإعلامية واضحة المعالم في معظم الدول الإسلامية لحفز الناس أفرادا ومؤسسات على الإقبال على إحياء سنة وقف المال، وما توفر من الأوقاف معرض للإهمال والنسيان، أو استيلاء القطاع العام، كما يحدث في الهند مثلا[121] أو غالبا ما توظف منافعه في معالجة قضايا جزئية في أحسن الأحوال، رغم أن الوقف يتميز بديمومة المنفعة حتى في حالة الأزمة العامة التي يمكن أن تؤثر في موارد الدولة.

نتائج وتوصيات

في ختام هذه الجولة في رحاب البناء المقاصدي لنظام الوقف الإسلامي، نورد أهم النتائج العلمية التي خلصنا إليها من خلال هذا البحث على شكل عوارض مركزة، مشفوعة ببعض التوصيات:

أ- النتائج:

  • نظام الوقف الإسلامي وثيق الصلة بمقاصد الشريعة منهجا وموضوعا، وتلك هي قوته وضمان فعاليته.
  • تشكل ثنائية القصد الأصلي والقصد التبعي الضابط المنهجي والموجه الفلسفي لحركية المشاريع الاقتصادية الوقفية واستثماراتها المالية، ومعيار تحليلها وتقويمها، ووسيلة تطويرها.
  • البناء المقاصدي لنظام الوقف الإسلامي يمكن الباحثين والمشرفين عليه من امتلاك الرؤية المستقبلية الواضحة، والقدرة على التخطيط الاستراتيجي للمشاريع الوقفية، لأنه بناء يقوم على ربط القضية الاقتصادية بالدنيا الخادمة للآخرة.
  • بناء مخطط الإقلاع الوقفي في البلدان الإسلامية يمكن أن يؤسس على قاعدتين مقاصديتين: إحداهما نظرية تقوم على الضبط المقاصدي العام لحركية المشاريع الاقتصادية وثنتاهما تنزيلية تعتمد على تحديد أولويات المطالب والحاجيات، وتقصيد مشاريع الوقف، وتحديد ضوابط هذا الإقلاع تشريعيا وتربويا.
  • نظام الوقف مصدر مالي حيوي قادر بامتياز على الإسهام الفعال في النهوض التعليمي والعلمي، كما أثبت من ذي قبل في التاريخ.
  • نظام الوقف الإسلامي قادر على تحويل رأسمال من أنانيته واستغلاله للإنسان عبر التاريخ، إلى مسؤولياته الاجتماعية.
  • الوقف الإسلامي صيغة تفاعل وتكامل بين الجهد الحكومي والقطاع الخاص والجهد الشعبي

ب- التوصيات:

              نوصي في نهاية هذا الدراسة بإنشاء هيئة عالمية للأوقاف الإسلامية تختص بمتابعة الشأن الوقفي في العالم إحياء وصيانة وتجديدا، وتعتمد على مراكز خبرة علمية في موضوع الوقف الإسلامي العالمي، تنشئها الهيئة وتشرف عليها.

            والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

لائحة المصادر والمراجع

القرآن الكريم برواية ورش من طريق الأزرق

  • إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي وبذيله كتاب المغني عن حمل الأسفار للعراقي طبعة جديدة لدار الكتب العلمية بيروت.
  • أخبار عمر وأخبار عبد الله بن عمر لعلي الطنطاوي الطبعة الثالثة دار الفكر بيروت 1973م.
  • الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام تحقيق محمد خليل هراس مكتبة الكليات الأزهر دار الفكر/ 1975م.
  • إعلام الموقعين عن رب العالمين الطبعة الأولى 1955م مطبعة السعادة بمصر.
  • البداية والنهاية لأبي الفداء ابن كثير مكتبة المعارف بيروت، د.ط.د.ت .
  • بيان الدليل في بطلان التحليل لأحمد بن تيمية تحقيق فيحان المطيري الطبعة الثانية، مكتبة أضواء النهار السعودية/ 1996م.
  • تاريخ الجامعات الإسلامية الكبرى لمحمد عبدالرحمن غنيمة، المغرب، 1952م
  • التنمية الاقتصادية في المنهج الإسلامي لعبد الحق الشكيري سلسلة كتاب الأمة عدد 17/ 1408هـ .
  • التمهيد لما في الموطأ من المعاني والمسانيد لابن عبدالبر، المغرب، 1394هـ
  • تفسير التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور طبعة دار سحنون للنشر والتوزيع بتونس بدون تاريخ.
  • الثروة في ظل الإسلام للخولي البهي الطبعة الثانية / 1971م.
  • الجامع الصحيح لأبي عبد الله البخاري تحقيق مصطفى ديب البغا ط. 3 دار ابن كثير اليمامة بيروت 1407هـ-1987م.
  • الجامع الصحيح لمسلم تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي دار إحياء التراث العربي بيروت بدون تاريخ ولا رقم الطبعة.
  • حاشية القليوبي لشهاب الدين القليوبي مطبوع بهامش شرح المحلي للمنهاج دار إحياء الكتب العربية
  • حوار مع الفضلاء الديمقراطيين لعبد السلام ياسين، الطبعة الأولى 1994م، مطبوعات الأفق، البيضاء.
  • دور الوقف في التنمية ، أعمال الندوة الفقهية الرابعة عشرة في مو ضوع: تنمية الوقف، لمجمع الفقه الإسلامي بالهند، الطبعة الأولى2007م، دار الكتب العلمية، بيروت.
  • رحلة ابن جبير، تحقيق: حسين نصار، القاهرة، 1374هـ.
  • لسان العرب لابن منظور دار صادر بيروت الطبعة الثالثة 1994م
  • المحلى بالآثار لابن حزم تحقيق أحمد محمد شاكر بيروت لبنان المكتب التجاري للطباعة والنشر والتوزيع.
  • مختار الصحاح للرازي المكتبة العصرية 2001م
  • المكتبات في الإسلام: ماهر حمادة، بيروت 1398هـ.
  • المنتقى شرح الموطأ للباجي مطبعة السعادة بمصر 1331هـ
  • مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها لعلال الفاسي مكتبة الوحدة العربية البيضاء 1382هـ.
  • مقاصد الشريعة الإسلامية للطاهر بن عاشور دار السلام، مصر 2005م.
  • المستصفى من علم الأصول لأبي حامد لغزالي تحقيق مصطفى أبو العلا مكتبة الجندي القاهرة
  • مسند الإمام أحمد تحقيق أحمد محمد شاكر دار الحديث القاهرة ط: 1 1416/1995
  • الموافقات في أصول الشريعة للشاطبي تحقيق عبد الله دراز الطبعة الثالثة / 2003م دار الكتب العلمية بيروت.وتحقيق محيي الدين عبد الحميد مطبعة محمد صبيح وأولاده بالأزهر.
  • مواهب الجليل شرح مختصر خليل لأبي عبد الله الحطاب مطبعة السعادة بمصر 1329هـ
  • الفكر المقاصدي قواعد وفوائده للريسوني منشورات جريدة الزمن المغربية مطبعة النجاح الجديدة  1999م /المغرب
  • فقه المقاصد وأثره في الفكر النوازلي لعبد السلام الرافعي طبعة إفريقيا الشرق/2004م المغرب
  • في الاقتصاد البواعث الإيمانية والضوابط الشرعية لعبد السلام ياسين الطبعة الأولى/ 1995م مطبوعات الأفق البيضاء المغرب.
  • في المنهج التطبيقي للشريعة الإسلامية تنزيلا على الواقع الراهن لعبد المجيد النجار الطبعة الأولى 1994م لدار النشر الدولي بالرياض.
  • القاموس المحيط للفيروز آبادي دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الأولى/1995م
  • القرار الاستثماري في البنوك الإسلامية 1419هـ- 1999م لمصطفى طايل، والودائع الاستثمارية في البنوك الإسلامية لسليمان محمد جلال / المعهد العالمي للفكر الإسلامي / الطبعة الأولى/ 1996م/ القاهرة.
  • قواعد الأحكام في مصالح الأنام للعز بن عبد السلام دار المعرفة بيروت بدون تاريخ ولا رقم الطبعة.
  • سنن ابن ماجة تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي دار الكتب العلمية بيروت بدون تاريخ ولا رقم الطبعة
  • الهداية شرح بداية المبتدى لبرهان الدين المرغيناي مطبوع بهامش فتح القدير  الطبعة الأولى بالمطبعة الأميرية بمصر.
  • الوقف في الشريعة الإسلامية وأثره في تنمية المجتمع لمحمد الصالح، الطبعة الأولى 2001م، مكتبة فهد الوطنية، الرياض.
  • الوقف ودوره في دعم التعليم والثقافة في المملكة العربية السعودية خلال مائة عام للخويطر .
  • L’espérance Brisée : MAROC 1961-1999 :IGNACE DALLE

الهوامش:

[1] – لسان العرب لابن منظور دار صادر بيروت الطبعة الثالثة 1994م، ومختار الصحاح للرازي المكتبة العصرية 2001م مادة ( وقف، وحبس ).
[2] – الهداية شرح بداية المبتدى لبرهان الدين المرغيناي مطبوع بهامش فتح القدير الطبعة الأولى بالمطبعة الأميرية بمصر 5/37.
[3] – مواهب الجليل شرح مختصر خليل لأبي عبد الله الحطاب مطبعة السعادة بمصر 1329هـ 6/18.
[4] – المنتقى شرح الموطأ للباجي مطبعة السعادة بمصر 1331هـ 6/120.
[5] – حاشية القليوبي لشهاب الدين القليوبي مطبوع بهامش شرح المحلي للمنهاج دار إحياء الكتب العربية 1/378.
[6] – ينظر المصدر السابق.
[7] – الشرح الكبير على متن المقنع لابن قدامة المقدسي 6/185.
[8] – ينظر القاموس المحيط للفيروز آبادي دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الأولى/1995م، واللسان مادة ( قصد).
[9] – النحل من الآية 9.
[10] – صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب القصد والمداومة على العمل.
[11] – المستصفى من علم الأصول للغزالي تحقيق مصطفى أبو العلا1/278.
[12] – الموافقات للشاطبي تحقيق عبد الله دراز الطبعة الثالثة / 2003م دار الكتب العلمية بيروت 2/6.
[13] – نفسه 2/ 168.
[14] – مقاصد الشريعة الإسلامية للطاهر بن عاشور دار السلام، مصر 2005م ص 51
[15] – مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها لعلال الفاسي ص 42.
[16] – في المنهج التطبيقي للشريعة الإسلامية لعبد المجيد النجار ص 51.
[17] – يتظر مقاصد الشريعة الإسلامية ص141.
[18] – المصدر السابق ص142.
[19] – الموافقات 2/134.
[20] – ينظر المصدر السابق 2/136.
[21] – إحياء علوم الدين للغزالي 1/94.
[22] – ينظر الموافقات في أصول الشريعة للشاطبي تحقيق محيي الدين عبد الحميد 4/162.
[23] – بيان الدليل في بطلان التحليل لأحمد بن تيمية تحقيق فيحان المطيري الطبعة الثانية، مكتبة أضواء النهار السعودية/ 1996م.ص 351.
[24] – مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها لعلال الفاسي ص 51-52.
[25] – ينظر الفكر المقاصدي قواعد وفوائده للريسوني ص 99- 100 منشورات جريدة الزمن المغربية مطبعة النجاح الجديدة 1999م /المغرب
[26] – المرجع السابق ص 99.
[27] – ينظر الموافقات تحقيق عبد الله دراز 2/134 وما بعدها.
[28] – مسلم في كتاب الوصية باب ما يلحق الإنسان من التواب بعد وفاته.
[29] – الأحزاب من الآية 6.
[30] – مسلم في صحيحه في كتاب الزكاة باب الابتداء في النفقة بالنفس ثم أهله ثم القرابة، والنسائي في السنن كتاب الزكاة رقم 2499.
[31] – الجاثية من الآية 13.
[32] – إبراهيم الآيات 32- 33- 34.
[33] – الذاريات الآية 56.
[34] – ينظر في الاقتصاد البواعث الإيمانية والضوابط الشرعية لعبد السلام ياسين ص 75، الطبعة الأولى/ 1995م مطبوعات الأفق البيضاء المغرب.
[35] – ينظر المرجع السابق.
[36] – الإسراء الآية 16.
[37] – الواقعة الآيات 41- 45.
[38] – ينظر إعلام الموقعين عن رب العالمين 2/7 و 3/7 الطبعة الأولى 1955م مطبعة السعادة بمصر.
[39] – سورة هود من الآية 61.
[40] – قواعد الأحكام في مصالح خير الأنام للعز بن عبد السلام 2/80.
[41] – ينظر فقه المقاصد وأثره في الفكر النوازلي لعبد السلام الرافعي طبعة إفريقيا الشرق/2004م المغرب ص 31 وما بعدها.
[42] – البقرة من الآية 30.
[43] – غافر الآية 39.
[44] – الضحى الآية 4.
[45] – القصص من الآية 60، والشورى من الآية 36.
[46] – التغابن من الآية 17.
[47] – البقرة من الآية 245.
[48] – البخاري في صحيحه كتاب الجهاد والسير باب من احتبس فرسا في سبيل الله لقوله تعالى (ومن رباط الخيل).
[49] – الإمام أحمد في مسند رقم الحديث 2158، 2/548
[50] – ابن ماجه في سننه رقم 246، 1/88.
[51] – بستان من نخيل بجوار المسجد النبوي يومئذ.
[52] – آل عمران من الآية 92.
[53] – القصة بكاملها في صحيح البخاري كتاب الزكاة باب الزكاة على الأقارب، وصحيح مسلم بَاب فَضْلِ النَّفَقَةِ وَالصَّدَقَةِ عَلَى الْأَقْرَبِينَ وَالزَّوْجِ وَالْأَوْلَادِ وَالْوَالِدَيْنِ وَلَوْ كَانُوا مُشْرِكِينَ، كتاب الزكاة.
[54] – المستصفى 1/278.
[55] – المزمل من الآية 10.
[56] – البقرة من الآية 275.
[57] – أخبار عمر وأخبار عبد الله بن عمر لعلي الطنطاوي ص 123 الطبعة الثالثة دار الفكر بيروت 1973م.
[58] – الإسراء من الآية 27.
[59] – تفسير البغوي ( معالم التنزيل ) الطبعة الأولى لدار ابن حزم / 2002م ص 461.
[60] – النساء من الآية 5.
[61] – النساء من الآية 6.
[62] – الموافقات تحقيق عبد الله دراز 2/14
[63] – الأنعام من الآية 119.
[64] – البقرة من الآية 173.
[65] – الأنعام من الآية 145.
[66] – النحل من الآية 115.
[67] – الحج من الآية 78.
[68] – البقرة من الآية 185.
[69] – البقرة من الآية 286.
[70] – فمصارف الزكاة الثمانية كلها حالات اجتماعية وإنسانية: ” إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمولفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل ” التوبة من الآية 60.
[71] – البقرة من الآية 177.
[72] – البقرة من الآية 215.
[73] – العلق الآيتان 6-7.
[74] – التغابن من الآية 15.
[75] – المعارج الآيات 19-20-21.
[76] – آل عمران من الآية 92.
[77] – سبأ من الآية 39.
[78] – الجمعة الآية 2.
[79] – آل عمران الآية 164.
[80] – التغابن من الآية 16.
[81] – النساء من الآية 36.
[82] – الإسراء من الآية 23.
[83] – الإسراء من الآية 26.
[84] – النحل من الآية 90.
[85] – مسلم في صحيحه باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها، كتاب البر والصلة.
[86] – البخاري في صحيحه كتاب الأدب باب من بسط له في الرزق بصلة الرحم.
[87] – المائدة من الآية 2.
[88] – مسلم في صحيحه كتاب البر والصلة باب تراحم المومنين وتعاطفهم وتعاضدهم
[89] – ينظر فقرة ” الوقف وسيلة لحفظ النوع الإنساني” السابقة.
[90] – سيأتي بيان ذلك في المحور التطبيقي.
[91] – سبق الحديث بنوع من التفصيل عن وظيفة الوقف في التنمية المالية في فقرة: ” الوقف وسيلة لحفظ المال ” السابقة.
[92] – وقد أجاز مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته الخامسة عشرة بمسقط ( سلطنة عُمان ) 14 – 19 المحرم 1425هـ، الموافق 6 – 11 آذار ( مارس ) 2004م في قراره رقم 140 (6/15) استثمار أموال الوقف بشروط.
[93] – سبق تخريج الآية.
[94] – الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام تحقيق محمد خليل هراس مكتبة الكليات الأزهر دار الفكر/ 1975م ص 556.
[95] – التنمية الاقتصادية في المنهج الإسلامي لعبد الحق الشكيري سلسلة كتاب الأمة عدد 17/ 1408هـ ص 66.
[96] – مسلم في كتاب اللقطة باب استحباب المؤاساة بفضول المال.
[97] – المحلى بالآثار لابن حزم تحقيق أحمد محمد شاكر بيروت لبنان المكتب التجاري للطباعة والنشر والتوزيع 6/452.
[98] – مسلم في كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل الأشعريين.
[99] – النحل من الآية 90.
[100] – الحديد من الآية 24.
[101] – تفسير التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور طبعة دار سحنون للنشر والتوزيع بتونس بدون تاريخ. 14/254 .
[102] – النحل من الآية 90.
[103] – الأعراف من الآية 96.
[104] – نوح الآيات 10- 12.
[105] – ينظر القرار الاستثماري في البنوك الإسلامية 1419هـ- 1999م لمصطفى طايل، والودائع الاستثمارية في البنوك الإسلامية لسليمان محمد جلال ص 242/ المعهد العالمي للفكر الإسلامي / الطبعة الأولى/ 1996م/ القاهرة.
[106] – حوار مع الفضلاء الديمقراطيين لعبد السلام ياسين ص135، الطبعة الأولى 1994م، مطبوعات الأفق، البيضاء.
[107] – البخاري في كتاب أبواب المساجد، باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية.
[108] – التمهيد لابن عبد البر 1/67.
[109] – ينظر عدد المدارس التعليمية الوقفية في الوقف ودوره في دعم التعليم والثقافة في المملكة العربية السعودية خلال مائة عام للخويطر ص12 ، وفي الوقف في الشريعة الإسلامية وأثره في تنمية المجتمع لمحمد الصالح ص183-184، الطبعة الأولى 2001م، مكتبة فهد الوطنية، الرياض.
[110] – ينظر حوار مع الفضلاء الديمقراطيين ص139.
[111] – ففي سنة 1990م سجلت اليابان مائتي ألف اختراع جديد، وتلتها الولايات المتحدة الأمريكية بستين ألف، وألمانيا بثلاثين ألف، وفرنسا باثني عشر ألفا. ينظر حوار مع الفضلاء الديمقراطيين ص198.
[112] – المكتبات في الإسلام لماهر حمادة 2/177.
[113] – رحلة ابن جبير 1/46
[114] – تاريخ الجامعات الإسلامية الكبرى ص61 لمحمد عبدالرحمن غنيمة، المغرب، 1952م.
[115] – البداية والنهاية لابن كثير 13/140.
[116] – الأنفال من الآية 60.
[117] – L’espérance Brisée : MAROC 1961-1999 :IGNACE DALLE
[118] – في الاقتصاد ص 30 وما بعدها.
[119] – ينظر أخبار عمر وأخبار عبد الله بن عمر ص 123 .
[120] – ينظر الثروة في ظل الإسلام للخولي البهي الطبعة الثانية / 1971م ص 171.
[121] – ينظر تحديات ومشاكل أمام تنمية الوقف للشيخ بدر الحسن القاسمي، دور الوقف في التنمية ص63 وما بعدها، أعمال الندوة الفقهية الرابعة عشرة في مو ضوع: تنمية الوقف، لمجمع الفقه الإسلامي بالهند، الطبعة الأولى2007م، دار الكتب العلمية، بيروت.

مواضيع ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *